بعد معاناة طويلة ومضنية، شفيت من تبدد الشخصية، وهذا المقال سيسرد لكِ تجربتي الشخصية في التغلب على هذا المرض، حيث سأشارككِ بعض النقاط الأساسية حول هذا الموضوع، مع التركيز على الفهم العلمي لواحد من أشد أنواع الأمراض النفسية وأكثرها شيوعًا وكيفيّة التغلّب على عوارضه.
في هذا المقال، سنتطرّق إلى عدّة جوانب مهمّة تتعلّق بمرض تبدد الشخصية وتأثيره على الحياة، بالإضافة إلى الخطوات الأساسية التي اتبعتها للتغلب على هذا المرض، كما سنناقش أيضًا كيفيّة الاستمرار في العمل على تعزيز الهوية الجديدة والحفاظ على النجاح الذي تحقق.
فهم هذا المرض وتأثيره على الحياة الشخصية والمهنية
إنّ تبدد الشخصية هو اضطراب نفسي يتميز بالشعور بالانفصال عن الذات والواقع، وهي حال يمكن أن تكون مزعجة للغاية وتؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية حيث تُسبّب الشعور بالتعب والإرهاق بشكلٍ مستمرّ إن كان من الناحية النفسيّة أو الجسديّة، لذلك سأطلعكِ في ما يلي على أهمّ جوانب هذا المرض والتي قد يجهلها الكثير منّا، وهذا استنادًا إلى أهمّ الدراسات العلميّة والتقارير الطبيّة التي تتناول هذا المرض النفسيّ الشائع.
وفقًا لتقرير نشرته عيادة كليفلاند (Cleveland Clinic) على موقعها عام 2023 تحت عنوان “Depersonalization-Derealization Disorder”، يُعَدُّ تبدد الشخصية أحد العوارض النفسية التي يمكن أن تكون نتيجة للشعور بالتوتر والقلق المزمنين، حيث يشعر المصابون بأنهم يشاهدون حياتهم من مسافة بعيدة، ممّا يؤدّي إلى فقدان الشعور بالواقع والهوية الشخصية. وللمزيد من التفاصيل يمكنكِ الضغط هنا.
هذا الشعور بالانفصال يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الحياة المهنية أيضًا، فقد وجدت دراسة من المجلة الدولية لإدارة المعرفة (International Journal of Knowledge Management) بعنوان “Effect of Emotional Exhaustion and Knowledge Sharing on Depersonalization, Work Accomplishment, and Organizational Performance” ونشرت على موقع Research Gate، أن الأفراد الذين يعانون من تبدد الشخصية يميلون إلى الانسحاب الاجتماعي وفقدان الاهتمام بأعمالهم ومهامهم اليومية والمهنيّة، مما يؤثر على أدائهم وإنتاجيتهم حيث يشعرون بشكلٍ مستمرّ بالخمول والتعب والرغبة الشديدة في النوم. وللمزيد من التفاصيل يمكنكِ الضغط هنا.
الخطوات الأساسية للتغلب على هذا المرض وبناء الهوية الجديدة
شفيت من تبدد الشخصية وفي رحلتي للتغلب على هذا المرض، اتّبعت عدّة خطوات أساسيّة ساعدتني في بناء هوية جديدة، وسأكشف لكِ في ما يلي عنها:
أوّلًا، قرّرت البحث عن الدعم النفسي المختصّ، والتحقت بجلسات علاجيّة مع معالج نفسي مختصّ في اضطرابات الهوية، وهكذا ساعدني الخضع للعلاج بالكلام والعلاج المعرفي السلوكي في فهم أسباب هذا الاضطراب وكيفية التعامل معه.
ثانيًا، بدأت في ممارسة التأمّل واليوغا بشكل منتظم، وهذا استنادًا غلى بعض النصائح العلميّة وتحت إشراف الطبيب الذي كان يُتابع حالي. فوفقًا لتقرير نشرته جامعة هارفرد علم 2024 بعنوان “Yoga for better mental health” والذي نشر على موقع هارفارد للنشر الصحي (Harvard Health Publishing)، يمكن لممارسة التأمل واليوغا أن تساهم بشكل كبير في تقليل مستويات الشعور بالتوتر والقلق، ممّا يساعد في تحسين الاتصال بالذات والشعور بالواقع.
ثالثًا، قمت بإعادة هيكلة حياتي اليومية لتتضمن ممارسة أنشطة تزيد من تواصلي مع نفسي ومع الآخرين، فمثلًا، بدأت في ممارسة الرياضة بانتظام، والانخراط في أنشطة اجتماعية وتطوعيّة، مما ساعدني في تعزيز شعور الانتماء والهوية.
كيفيّة الاستمرارية في العمل على تعزيز الهوية الجديدة والحفاظ على النجاح
بعد أن شفيت من تبدد الشخصية ، وبعد بناء الهوية الجديدة، كان من الضروري الاستمرار في العمل على تعزيز هذا التطوّر والحفاظ على النجاح الذي تحقق، لذلك سأكشف لكِ في ما يلي عن بعض الخطوات التي ساعدتني في الحفاظ على المستوى الذي وصلت له بعد كلّ هذا العناء في ما يلي:
- لطالما كنت أحرص على الاستمرار في الخضوع لجلسات العلاج النفسي بشكل دوري للتأكّد من عدم العودة إلى الحال السابقة.
- كنت أركّز على تطوير مهارات جديدة ومواصلة التعلم، كما التحقت بدورات تعليمية ومهنيّة مختلفة، ممّا ساعدني في بناء ثقة جديدة بنفسي وزيادة معرفتي في مجالات متعددة.
- كنت أحرص على الحفاظ على نمط حياة صحي، يتضمّن تناول طعام متوازن، والحصول على قسط كافٍ من النوم، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، الأمر الذي في الحفاظ على استقرار نفسي وعقلي.
في النهاية، شفيت من تبدد الشخصية بفضل العمل الجاد والدؤوب على نفسي، وبمساعدة المختصّين والدعم من الأشخاص المحيطين بي، فالتغلّب على هذا المرض كان رحلة صعبة، لكنها كانت مليئة بالتحديات والإنجازات التي شكلت جزءًا كبيرًا من شخصيتي الجديدة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لك عن أسباب وطرق مواجهة الحال النفسية للمرأة أثناء الدورة الشهرية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن بأن أيّ شخص يمكنه التغلب على تبدّد الشخصية إذا توفر له الدعم المناسب والرغبة الحقيقية في الشفاء، لذا لا تتردّدي في طلب المساعدة المختصّة والعمل على بناء هوية جديدة وصحية، فالنجاح في التغلب على هذا المرض ليس مستحيلًا، بل هو ممكن بتوجيه الجهود في المسار الصحيح.