الهدف من الزواج لا يُختصر بفكرة واحدة، على الرغم من ضياع “قدسيّته” في “معمعة” التطوّر وتغيّر تعريفات الالتزام.
ومع أنّ الزواج يميل إلى الضياع في يومنا هذا في تفسيرات العلاقات الحديثة، لا يمكننا إنكار فكرة أنّه لا يزال له مكانه في العالم أجمع، سواء لأسباب عاطفيّة، عائليّة أو دينيّة. من هنا يُمكننا القول إنّ هناك أسباب وأهداف عدّة وراء استمرار الآلاف من الأشخاص من جميع الأديان والجنسيّات بالارتباط ببعضهم عن طريق مؤسّسة الزواج، إن كان الزواج شرعيًّا دينيًّا أو مدنيًّا. فما هي هذه الأهداف بين الماضي والحاضر.
ظهور فكرة الزواج تاريخيًّا
قبل أن نغوص في الهدف من الزواج اليوم، دعونا ننظر إلى الوراء عبر التاريخ لنفهم كيف ومتى ظهرت هذه المؤسسة.
لم يكن الزواج، في البداية، وسيلة للرجل والمرأة لتكوين وحدة عائليّة، بل كان الهدف التاريخي للزواج وبنية الأسرة الناتجة عنه مختلفين تمامًا عما نفهمه اليوم. فعندما نشأ الزواج منذ حوالي 4350 عامًا، حين سُجّل أوّل دليل على اتحاد رجل بامرأة بعلاقة الزوجية. وقبل ذلك، كانت العائلات عبارة عن وحدات منظّمة بشكل فضفاض تضم رؤوسًا ذكورًا، والعديد من الزوجات والأطفال المشتركين.
وبعد هذا الحين، أصبح مفهوم الزواج موجودًا لدى العبرانيين والرومان واليونانيين، ولكنّ ليس بمعناه الحديث، إذ لم يكن في تلك الأيام رمزًا لتوحيد رجل وامرأة جمعهما الحبّ. بل كان طريقة للتأكد من أن أطفال الرجل هم أبناءه البيولوجيّين وإثبات ملكيّته للمرأة. وبينما كان الرجل حرًا في إشباع رغباته الجنسيّة مع آخرين، من بغايا ومحظيات، كان على المرأة أن تتولى المسؤوليات العائليّة.
اليك أسرار العلاقة الزوجيّة الناجحة!
مفهوم الحبّ الرومنسي والزواج
بالنظر إلى تاريخ الزواج الذي يعود إلى آلاف السنين، فإن مفهوم الحب الرومانسي والزواج مدى الحياة يعتبر حديثًا نسبيًّا. إذ أنّه في التاريخ البشري، كانت علاقات الزواج مبنيّة على أسباب عمليّة، وفكرة الحبّ الرومنسي باعتباره أحد دوافع الزواج لم تترسخ إلّا في العصور الوسطى.
وحوالي القرن الثاني عشر، بدأ الأدب بإعطاء شكل لفكرة أن الرجل يجب أن يجذب المرأة من خلال مدح جمالها وكسب عاطفتها.
في كتابها “تاريخ المرأة”، بحثت المؤرّخة والمؤلفة مارلين يالوم بكيفيّة تغيير مفهوم الحب الرومانسي لطبيعة العلاقات الزوجيّة. ولم يعد وجود الزوجات يقتصر حينها على خدمة الرجال، إذ بات الرجل أيضًا يبذل جهدًا في العلاقة، ويسعى لمساعدة المرأة التي يحبّها. ومع ذلك، فإن فكرة أن المرأة ملك لزوجها ظلّت سائدة حتى بداية القرن العشرين. لم تبدأ الديناميكية بين المتزوجين إلا بعد أن بدأت النساء في جميع أنحاء العالم في الحصول على حق التصويت. ومع اكتساب المرأة المزيد من الحقوق خلال هذه الحقبة، تحولّ الزواج حقًا إلى شراكة بين الفريقين.
دور الدين في الزواج
في نفس الوقت تقريبًا الذي بدأت فيه فكرة الحب الرومانسي تصبح محوريّة في العلاقة الزوجيّة، أصبح الدين جزءًا لا يتجزأ من هذه المؤسسة. بحيث أصبح الزواج مرتبطًا ببركات رجال الدين. وحسّنت فكرة أنّ الله خلق الزواج بين الرجل والمرأة كثيرًا مكانة الزوجات، وروّجت حينها فكرة أنّ العلاقة الحميمة تكون فقط بين الزوج وزوجته، وترسّخت فكرة الإخلاص في الزواج. ويشدّد على روحانيّة وعمق العلاقة الزوجيّة قول الله تعالى: “وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”.
أهداف الزواج في يومنا هذا
اليوم، أصبحت العلاقة الزوجيّة مرادفة للتأكيد على الحب والالتزام بين شخصين تجاه بعضهما البعض. إنه الوعد بالحب واعتزاز المرأة بزوجها والرجل بزوجته لبقيّة حياتهما، وعدم تخيّل مشاركتها مع أي شخص آخر.
في هذا السياق، تُشير عالمة النفس السريري أديا بوجاري في حديث لها الى أنّ هناك عوامل وأهداف مشتركة تؤثّر على قرار معظم الناس بالزواج. فعلى الرّغم من أنّ لكلّ شخص أفكاره الخاصّة ومعتقداته حول معنى الزواج والغرض منه، إلا أنّ أبرز أهدافه العميقة هي:
- توفير الأمن العاطفي: بثقافتنا الشعبيّة، عندما يطلب الرجل الزواج من حبيبته، فهذا دليل على جدّيّته تجاهها. ويُعطي الزواج النّاجح شعورًا بأنّ الشخص ملتفّ بغطاء دافئ من الأمان واليقين. ومع أنّ الزواج لم يعد الطريقة الوحيدة لإعلان الحب والثبات فيه، إلّا أنّه من الصعب العثور على مؤسّسة أخرى تمنح نفس القدر من اليقين.
- “التصديق” على العلاقة: يظل الزواج ظاهرة عالميّة معترف بها، ويسهل تفسيرها مقارنة بأشكال الالتزام الأخرى، فالزواج يوفّر المصادقة القانونيّة والدينيّة والاجتماعيّة على اتّحاد الرجل بالمرأة.
- تكوين عائلة وإنجاب الأطفال: تنطبق هذه النقطة بشكل خاصّ على مجتمعاتنا، بحيث من غير المقبول أن يجتمع رجل وامرأة تحت سقفٍ واحد ويُنجبان أطفالًا شرعيّين من دون زواج. وأحد أهدافه الرئيسيّة هو الشعور بالاستمراريّة، الحب والانتماء، والذي يُعتبر الهدف الأكثر أهميّة.
- الرفقة لمدى الحياة: يتعاهد الزوجان بأن يتشاركان بكل شيء، الأشياء الجيدة والسيئة، الأفراح والأحزان… كل يوم وفي جميع الأوقات. فيشعر الشخص أنّه ليس وحده خاصّةً إذا كان الزوجان على اتّفاق تامّ!
برأيي الشخصي كمحرّرة، إنّ الهدف الأساسي من الزواج هو الاجتماع بتوأم الروح أمام العالم أجمع، بالسرّاء والضرّاء، وتكوين أسرة صالحة تتشارك خطوات الحياة متّحدة، خاصّةً إذا كان الزواج ناجحًا.