يُعَدّ التهاب الثدي للمرضع من أكثر المشاكل المؤلمة التي تواجه الأمهات خلال فترة الرضاعة. تظهر العوارض فجأة، وتؤثر سلبًا على راحة الأم وصحتها النفسية والجسدية. يترافق هذا الالتهاب عادة مع احمرار، والشعور بألم موضعي، وتورم، وإرهاق شديد. وفي حال عدم التدخل السريع، قد يتطوّر الالتهاب إلى خراج مؤلم يحتاج إلى علاج طبي مكثّف.
في هذا المقال، نشرح لكِ أسباب التهاب الثدي للمرضع بالتفصيل، ونوضح العلامات التي تدل عليه، كما نعرض الطرق العلمية السريعة للعلاج، ونقدّم نصائح وقائية فعالة لتجنّب تكراره في المستقبل.
ما هو التهاب الثدي للمرضع؟
يحدث التهاب الثدي للمرضع عندما يتجمّع الحليب في قنوات الحليب من دون تصريف كافٍ، ممّا يؤدّي إلى احتقان ونمو البكتيريا. تهاجم هذه البكتيريا أنسجة الثدي مسببةً التهابًا موضعيًا. غالبًا ما يصيب هذا الالتهاب ثديًا واحدًا فقط، ويظهر خلال الأسابيع الأولى بعد الولادة، إلا أنه قد يحدث في أي وقت خلال الرضاعة.

تشير الدراسات إلى أن ما بين 10 إلى 33% من الأمهات المرضعات يتعرّضنَ لهذا الالتهاب، خاصّةً في حال وجود تقنيات رضاعة غير صحيحة أو التوقف المفاجئ عن الإرضاع (Amir, 2014, Australian Family Physician). لذلك، تعتبر المتابعة الدقيقة للثدي خلال هذه المرحلة ضرورية جدًا.
ما الأسباب الأكثر شيوعًا؟
تتعدّد أسباب التهاب الثدي للمرضع، لكن أبرزها انسداد قنوات الحليب بسبب عدم إفراغ الثدي بانتظام. من الأسباب أيضًا:
- وضعية رضاعة غير صحيحة: تؤدي إلى عدم تفريغ الثدي بالكامل.
- الضغط على الثدي: سواء من حمالة صدر ضيّقة أو نوم على البطن.
- تشققات الحلمة: تسمح بدخول الجراثيم، خصوصًا بكتيريا Staphylococcus aureus.
- التعب أو التوتر: يضعفان مناعة الجسم ويزيدان من خطر الإصابة.
وقد أظهرت الأبحاث أن تشققات الحلمة تعتبر المدخل الأساسي للبكتيريا المؤدية إلى الالتهاب، لا سيما في الأسابيع الأولى (Branch-Elliman et al., 2020, JAMA Pediatrics).
ما العوارض التي تستدعي القلق؟
من المهم التمييز بين ألم طبيعي ناتج عن امتلاء الحليب، والتهاب فعلي في الثدي. تشمل العوارض التي تشير إلى وجود التهاب:

- احمرار منطقة في الثدي.
- ألم موضعي يشتد أثناء الرضاعة أو اللمس.
- انتفاخ أو كتلة مؤلمة.
- حرارة موضعية في الثدي.
- حمى تصل إلى 38.5 درجة مئوية أو أكثر.
- إرهاق عام، وأحيانًا قشعريرة.
إذا شعرتِ بأي من هذه العلامات، فالتوجه السريع للطبيب ضروري. خاصّةً إذا ظهرت عوارض عامة مثل الحمى أو تدهور في الحال الصحية العامة.
ما هو العلاج السريع والفعّال؟
يرتكز علاج التهاب الثدي للمرضع على ثلاث خطوات رئيسية: تخفيف الالتهاب، وتصريف الحليب، ومكافحة البكتيريا. وتشمل الإجراءات التالية:
- الاستمرار في الرضاعة: من نفس الثدي المصاب، حتى مع وجود الألم. تساعد الرضاعة المنتظمة في تفريغ القنوات.
- استخدام كمّادات دافئة: قبل الرضاعة لتسهيل خروج الحليب، وباردة بعد الرضاعة لتقليل الالتهاب.
- شرب كميات كافية من الماء: للمحافظة على إدرار الحليب.
- الراحة: لتقوية جهاز المناعة.
- مضادات حيوية: مثل “ديكلوكساسيلين” أو “أموكسيسيلين” بعد استشارة الطبيب، خاصّةً في حال وجود حمى (WHO, 2020).
وقد تبيّن في دراسة نشرت في Journal of Human Lactation أن استخدام مضادات الالتهاب غير الستيرويدية مثل الإيبوبروفين يساعد في تسكين الشعور بالألم ويقلل مدة الالتهاب (Wambach & Spencer, 2021).
كيف تتجنبين التهاب الثدي في المستقبل؟
للوقاية من التهاب الثدي للمرضع، اتّبعي النصائح التالية:

- أرضعي بانتظام: كل 2 إلى 3 ساعات في البداية.
- بدّلي الجوانب: في كل رضعة لتفريغ كلا الثديين.
- تحققي من وضعية الرضاعة: لتجنب التسبب في انسداد أو تشققات.
- اعتني بالحلمات: وادهنيها بحليبكِ الطبيعي بعد كل رضعة لتقليل الالتهاب الطبيعي.
- استعملي حمالة صدر مريحة: لا تضغط على أنسجة الثدي.
إنّ التنظيم الجيّد للرضعات والمتابعة مع القابلة أو طبيب الأطفال يساعدان على تفادي المعاناة من التهابات مستقبلية.
الخلاصة
يسبب التهاب الثدي للمرضع الكثير من الإزعاج والألم، لكنه يُعد من الحالات التي يمكن السيطرة عليها بفعالية إذا تم تشخيصها مبكرًا واتُّخذت الخطوات العلاجية المناسبة من دون تأخير. فعند إهمال العوارض الأولية، قد يتفاقم الوضع ليتحوّل إلى خراج مؤلم يستدعي التدخل الجراحي أحيانًا، كما قد يتسبب الالتهاب المتكرر في تقليل إنتاج الحليب، مما يُضعف العلاقة الطبيعية بين الأم ورضيعها ويؤثر على تغذيته ونموه. من هنا، تبرز أهمية الوقاية كعنصر أساسي لحماية الأم من هذا السيناريو المؤلم، وذلك من خلال المواظبة على تفريغ الثدي بانتظام، وتصحيح وضعية الرضاعة، والحرص على نظافة الحلمة، بالإضافة إلى مراقبة أي تغيّر غير طبيعي في شكل أو ملمس الثدي. ومنالجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب خروج الحليب من الثدي للحامل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن وعي الأم بجسدها يشكّل حجر الأساس في حماية صحتها الجسدية والنفسية خلال رحلة الرضاعة. حين تصغي الأم إلى الإشارات الصغيرة التي يرسلها جسدها، وتستجيب لها بوعي واهتمام، فهي بذلك لا تحمي نفسها فقط من الألم والمضاعفات، بل تبني بيئة رضاعة مستقرة وسليمة لطفلها. الالتهاب ليس مجرد عرض طارئ، بل رسالة تستحق الإصغاء، تستدعي المتابعة والعناية، لا الإهمال أو التحمل بصمت. ومن هنا، أنصح كل أم بأن تمنح نفسها الأولوية، وأن تستشير المختصّين عند أول شعور بعدم الراحة، لأن الاستجابة السريعة تحمي الثدي وتُعيد للأم قدرتها على العطاء بهدوء وثقة. الرضاعة رحلة مقدسة، لكنها لا تكتمل إلا بصحة الأم واطمئنانها.