يُعَدّ البعد بين الزوجين أحد التحدّيات التي قد تواجه العلاقة الزوجيّة، إذ يُعاني بعض الأزواج من مشاعر التوتّر والقلق نتيجة الابتعاد. تُثار تساؤلات عديدة حول تأثير هذا البعد: هل يؤدي فعلًا إلى تراجع العلاقة وانقطاع الروابط العاطفية، أم يمكنه أن يكون فرصة لتعزيز الشوق والحنين، وبالتالي تعزيز الحبّ بين الزوجين؟
في هذا المقال، سنسلّط الضوء على هذا الموضوع من زوايا مختلفة، بما في ذلك مدّة التحمّل عند كلّ من المرأة والرجل لفترة البعد. بالإضافة إلى الكشف عن مدى تأثير البعد على العلاقة بشكلٍ عام. كما سنتطرق إلى كيفيّة استغلال البعد كفرصة لتعزيز الروابط الزوجية.
كم من الوقت تتحمل المرأة البعد عن زوجها؟
كم يمكن أن يطول البعد بين الزوجين من ناحية المرأة؟ قد تجد المرأة بطبيعتها العاطفيّة صعوبةً في تحمّل البعد عن شريك حياتها لفتراتٍ طويلة. إذ تُعَدّ العلاقة الزوجيّة بالنسبة لها مصدرًا رئيسيًا للاستقرار العاطفي. تشير الأبحاث إلى أن المرأة قد تشعر بالتوتّر والاضطراب إذا زادت مدّة البعد عن شهرين، خاصّةً في حال عدم توفّر وسيلة تواصل فعّالة مع زوجها.
أثبتت دراسة أجرتها جامعة شيكاغو أنّ النساء، مقارنةً بالرجال، يحتجنَ إلى تواصلٍ منتظم للحفاظ على الشعور بالأمان العاطفي. لذا، إذا كانت العلاقة مبنيّة على الثقة والارتباط العاطفي العميق، فقد تتحمّل المرأة البعد لفترة معيّنة. لكنّها غالبًا ما تحتاج إلى تواصلٍ منتظم يعزّز مشاعرها تجاه شريك حياتها. إضافةً إلى ذلك، تعزّز هذه الاتصالات العاطفيّة الشعور بالارتباط وتقلل من مشاعر القلق التي قد تظهر مع مرور الوقت.
من جهةٍ أخرى، إذا كانت الظروف تفرض عليها الابتعاد من دون تواصلٍ مستمر، قد تبدأ المرأة في الشعور بالقلق والتوتر، خصوصًا إذا لم تجد من يملأ هذا الفراغ العاطفي. وبالتالي، يمكن القول إنَّ قدرة المرأة على تحمّل البعد تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على مدى التزام الشريك بالتواصل المستمرّ ومدى الثقة بين الزوجين.
كم من الوقت يستطيع الرجل البعد عن زوجته؟
كم يمكن أن يطول البعد بين الزوجين من ناحية الرجل؟ قد يبدو الرجل، للوهلة الأولى، أكثر قدرةً على تحمل فترات البعد الطويلة، خاصةً إذا كانت طبيعة عمله أو حياته تفرض عليه الابتعاد. إلا أنّ هذا لا يعني أنه لا يتأثّر بالبعد عن شريكته. توضح دراسة صادرة عن جامعة كوينزلاند أنّ الرجل غالبًا ما يبدأ في الشعور بفقدان الدعم النفسي بعد مرور ثلاثة أشهر من البعد، ممّا يعكس حاجته لوجود الزوجة كجزءٍ من الدعم العاطفي.
ورغم أنّ الرجل قد يتحمّل البعد لفترةٍ أطول، فإنّ ذلك لا يلغي تأثير البعد السلبي على حاله النفسية. عند غياب الزوجة لفترة طويلة، قد يواجه الرجل تحديات في ملء هذا الفراغ العاطفي، خاصةً إذا كان يعيش في بيئة تفتقر إلى الروابط الاجتماعية القوية. بالتالي، يشعر الشريك في النهاية بالحاجة إلى شريكته لملء الجوانب العاطفيّة والاجتماعيّة التي لا يمكن لأحد آخر ملؤها.
الجدير بالذكر أن قدرة الرجل على تحمل البعد تعتمد أيضًا على مدى الترابط العاطفي بينه وبين شريكته. فعندما يكون مرتبطًا عاطفيًا بعمق مع زوجته، قد يُحسّ بتأثير البعد بشكل أكبر. مما يدفعه للبحث عن اعتماد طرق أخرى للتواصل معها، حتى وإن كان بعيدًا. ومن هنا، يمكن القول إن تحمّل الرجل للبعد يعتمد على مدى التوازن بين استقراره النفسي ومدى حاجته العاطفية لوجود شريكته.
هل البعد يصلح العلاقة؟
هل البعد بين الزوجين يُصلح العلاقة؟ يتساءل الكثيرون عمّا إذا كان البعد بين الزوجين يمكن أن يكون عاملًا في إصلاح العلاقة أم لا. يرى خبراء العلاقات أنّ البعد قد يكون فرصة للزوجين لإعادة تقييم العلاقة واستكشاف مدى أهميّة الشريك في حياتهم. بفضل هذه الفترة، يتمكّن الزوجان من التفكير بعمقٍ في مشاعرهما وأهدافهما المشتركة. ممّا يعزّز من قيمة العلاقة لديهما.
من المهم ملاحظة أن البعد يتيح للزوجين فرصة للاشتياق، ما يعزّز في بعض الحالات الرغبة في الاستمرار. ومع ذلك، يعتمد تأثير البعد على مدى استغلاله في إعادة إحياء المشاعر وتعزيز الشوق. فالبعد القصير قد يجدد الطاقة العاطفية، بينما قد يؤدي البعد الطويل إلى فقدان الروابط الأساسية التي تجمع بين الزوجين.
علاوةً على ذلك، يُعَدّ البعد فترة مناسبة للتركيز على الذات وتطويرها، ما قد يُحسّن من جودة العلاقة عند عودة الزوجين للالتقاء. من خلال البعد، يمكن لكل طرف أن يكتسب تجارب جديدة ويستعيد الحماسة للعلاقة. ما يمنحها بعدًا جديدًا ويقلل من الشور بالملل الذي قد ينشأ مع مرور الزمن.
بالمقابل، إذا طالت فترة البعد بدون تواصل أو دعم عاطفي كافٍ، فقد يؤدّي ذلك إلى بُعدٍ عاطفيٍّ يجعل العلاقة هشّة. لذلك، يُنصح الأزواج بالاعتماد على التواصل المستمرّ وتخصيص وقت للتفاعل مع بعضهم البعض، حتى وإن كان البعد حتميًا.
البعد بين الزوجين: الخلاصة
في النهاية، يمكن القول إنَّ البعد بين الزوجين قد يكون فرصة لتعزيز الشوق والرغبة في استمراريّة العلاقة، إذا تم استغلاله بشكل إيجابي. ومع ذلك، إذا طال الأمد دون أي تواصل عاطفي أو دعم نفسي، فقد يصبح هذا البعد عبئًا يؤدي إلى توتر العلاقة. ولذلك، يجب على الزوجين التركيز على بناء جسور التواصل والحفاظ على الروابط العاطفية مهما كانت الظروف.
لا يمكن أن ننكر أنّ التواصل الفعّال والدعم المتبادل هما الأساس في التعامل مع فترات البعد. فبذلك يمكن للزوجين أن يجعلا من فترة الابتعاد تجربة جديدة تعزّز من علاقتهما. وعندما يضع الشريكان نصب أعينهما أنَّ الشريك الآخر هو جزء لا يتجزأ من حياتهما، يصبح البعد فرصة للتجديد وليس للنهاية. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأطلعناكِ على تداعيات البعد عن الزوج لفترة طويلة.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنَّ البعد بين الزوجين يمكن أن يكون سلاحًا ذا حدّين. فإذا استغل الطرفان هذه الفترة في إعادة تقييم العلاقة وتطوير ذاتيهما، قد يجدان في البعد فرصة للتجديد وتعزيز المشاعر. في المقابل، إنَّ غياب التواصل والمشاعر قد يجعل من البعد تحديًا كبيرًا قد يساهم في تدهور العلاقة. لذا، أنصح كل زوجين باستثمار فترة البعد في تعزيز التواصل العاطفي وتقدير أهمية الآخر في حياتهما، لأن التوازن بين الشوق والحنين هو ما يعزّز من عمق العلاقة وقوّتها.