في بدايات الطفولة، يُعَدّ التهاب الأذن عند الأطفال من أكثر المشاكل الصحية شيوعًا. يصيب هذا الالتهاب غالبًا الأذن الوسطى نتيجة عدوى بكتيرية أو فيروسية، ويؤدّي إلى شعور الطفل بألم شديد، خصوصًا إذا لم يتم اكتشافه مبكرًا. في كثير من الأحيان، يتعافى الطفل تلقائيًا، لكن في بعض الحالات قد يتحوّل الوضع إلى خطر يستدعي تدخّلًا طبيًا عاجلًا.
سنقدّم في هذا المقال شرحًا شاملًا عن أنواع الالتهاب، وأسبابه، وعوارضه المقلقة. كما سنعرض الحالات التي تتطلب زيارة فورية للطبيب، وكيفية الوقاية منه، استنادًا إلى معلومات موثوقة وأبحاث طبية منشورة.
ما هو التهاب الأذن؟
يحدث التهاب الأذن عند الأطفال عادةً في الأذن الوسطى، وهي الفراغ المملوء بالهواء خلف طبلة الأذن. يصنّف الأطباء الالتهاب إلى ثلاث أنواع رئيسية:

- التهاب الأذن الحاد (Acute Otitis Media): يظهر بشكل مفاجئ ويترافق مع الشعور بألم شديد وارتفاع في الحرارة.
- الانصباب في الأذن الوسطى (Otitis Media with Effusion): يحدث بعد المعاناة من الالتهاب الحاد ويتميّز بتجمّع سوائل خلف طبلة الأذن من دون الشعور بألم واضح.
- الالتهاب المزمن (Chronic Otitis Media): يستمر لفترة طويلة ويؤثر على السمع بشكل تدريجي.
تعود الأسباب الرئيسية إلى ضعف المناعة، عدوى في الجهاز التنفسي، الرضاعة بوضعية خاطئة، أو التعرّض لدخان السجائر. كما تؤكد دراسة منشورة في Pediatrics عام 2022 أنّ الأطفال الذين يذهبون إلى الحضانة أكثر عرضةً للإصابة نتيجة الاحتكاك المستمر بالفيروسات.
كيف تعرفين أنّ طفلك يعاني من الالتهاب؟
تتعدّد علامات التهاب الأذن عند الأطفال، ويجب على الأهل ملاحظتها بدقة. أبرز هذه العلامات:
- شدّ الطفل لأذنه باستمرار
- البكاء المتواصل، خاصّةً ليلًا
- صعوبة النوم أو الاستيقاظ المتكرّر
- ارتفاع حرارة الجسم
- ضعف في الشهية أو رفض الرضاعة
- خروج سوائل صفراء أو دموية من الأذن
- رائحة كريهة من الأذن
يؤكد خبراء من Mayo Clinic أن فقدان التوازن أو تغيّرات في السمع قد تظهر في المراحل المتقدمة من الالتهاب. لذلك من الضروري عدم تجاهل أي من هذه العلامات.
متى يجب زيارة الطبيب فورًا؟
رغم أنّ بعض حالات التهاب الأذن عند الأطفال تتحسّن من تلقاء نفسها، إلا أنّ هناك مؤشرات تستدعي التوجّه الفوري للطبيب:

- استمرار ارتفاع الحرارة لأكثر من 48 ساعة
- ألم أذن شديد لا يهدأ بالمسكنات
- خروج إفرازات من الأذن
- تورّم خلف الأذن أو احمرارها
- تكرار الالتهاب أكثر من 3 مرات خلال 6 أشهر
- صعوبة في السمع أو ملاحظة تأخّر في النطق عند الطفل
وفقًا لتوصيات American Academy of Pediatrics، يجب البدء بالمضادّات الحيوية في الحالات الشديدة أو عند الأطفال دون عمر الستة أشهر. أما في الحالات الطفيفة، فيُفضَّل المراقبة لمدّة 48 ساعة قبل إعطاء المضاد الحيوي.
خطوات بسيطة تحمي أذن طفلك
من الممكن تقليل خطر الإصابة بالتهاب الأذن عند الأطفال عبر اتّباع خطوات بسيطة وفعّالة:
- الحرص على الرضاعة الطبيعية حتى عمر 6 أشهر على الأقل، لأنها تقوّي المناعة
- تجنّب التدخين أو تعرّض الطفل لدخان السجائر
- تطعيم الطفل بلقاح الإنفلونزا ولقاح المكورات الرئوية
- تجنّب إرسال الطفل إلى الحضانة في فترة انتشار العدوى
- التأكّد من رضاعة الطفل بوضعية نصف جلوس وليس مستلقيًا بالكامل
تشير دراسة نُشرت في The Journal of Infectious Diseases عام 2021 إلى أن التلقيح المنتظم يقلّل من تكرار التهاب الأذن بنسبة تفوق 30%.
العلاجات المتاحة
يعتمد علاج التهاب الأذن عند الأطفال على عمر الطفل وشدّة العوارض. في بعض الحالات، يكتفي الطبيب بمسكّنات الألم مثل الباراسيتامول، مع مراقبة الحال لمدّة يومين. أما في حالات الالتهاب البكتيري المؤكّد، فيُعطى الطفل مضادًا حيويًا مثل الأموكسيسيلين لمدة تتراوح بين 7 و10 أيام.

كما يُنصح بوضع كمادات دافئة على الأذن لتخفيف الألم، وتجنّب استخدام أعواد التنظيف أو أي جسم داخل الأذن. وفي الحالات المزمنة، قد يوصي الطبيب بتركيب أنبوب تهوية في طبلة الأذن لتصريف السوائل.
الخلاصة
يُعتبر التهاب الأذن عند الأطفال حال شائعة ولكنها قد تصبح خطيرة إذا لم تُعالَج في الوقت المناسب. يبقى وعي الأهل ومراقبة العوارض بدقة هو العامل الأساسي لاكتشاف المرض مبكرًا وتفادي مضاعفاته. ومن المهم دائمًا مراجعة الطبيب عند ظهور علامات مقلقة وعدم الاكتفاء بالعلاج المنزلي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أسباب نزول دم من انف الطفل.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أنّ الأذن ليست عضوًا بسيطًا كما يظنّ البعض، بل هي أداة حيوية يتشكّل من خلالها وعي الطفل بالعالم المحيط به، وتؤثّر بشكل مباشر على تطوّره اللغوي والمعرفي والعاطفي. إنّ تجاهل التهاب الأذن عند الأطفال أو الاستخفاف بتكراره قد يؤدّي إلى عواقب لا تُعوّض، مثل ضعف دائم في السمع أو تأخّر في النطق واكتساب اللغة، مما يؤثّر لاحقًا على الأداء المدرسي والتواصل الاجتماعي. لذلك، أنصح الأمهات بالانتباه الدقيق لأي تغيّر في سلوك طفلها أو استجابته للأصوات، وعدم انتظار تفاقم العوارض قبل التوجّه إلى الطبيب المختص. كما أن تبنّي نمط حياة صحّي، من خلال التغذية السليمة، والتلقيح المنتظم، وتجنّب بيئات العدوى، يشكّل درعًا وقائيًا فعّالًا يقلّل من احتمالية الإصابة ويحافظ على صحة الطفل السمعية والنفسية في آنٍ واحد.