تغيّر أول 40 يوم بعد الولادة حياة كل امرأة بشكل جذري. هذه الفترة لا تُشبه أي مرحلة أخرى في حياة الأم الجديدة، فهي مزيج من التحديات الجسدية، والتقلّبات المزاجيّة والنفسيّة، والتجارب التي لا يتحدّث عنها الكثير. لكن، وسط هذه التغيرات، تبقى الأيام الأربعون الأولى بعد الولادة من أكثر المراحل تأثيرًا على صحة الأم الجسدية والنفسية. وكذلك على علاقتها بمولودها.
في هذا المقال، سنكشف لكِ الحقيقة الكاملة عن أول 40 يوم بعد الولادة، بعيدًا عن الصور المثالية والعبارات المكرّرة. سنشرح لكِ التغيرات التي تمرّين بها، ونشارككِ أبرز النصائح المبنية على أبحاث علمية حديثة. وذلك لنساعدكِ على تجاوز هذه المرحلة بثقة ووعي.
1. التغيرات الجسدية التي لا يذكرها أحد
تمرّين خلال أول 40 يوم بعد الولادة بتحولات هرمونية كبيرة تؤثّر على كل أجهزة جسمك. يبدأ الرحم بالانكماش تدريجيًا حتى يعود لحجمه الطبيعي، ويحدث نزيف ما بعد الولادة المعروف بـ”النفاس”، وهو أمر طبيعي لكن يحتاج إلى متابعة.

تشير الدراسات إلى أن الجسم يحتاج من 6 إلى 8 أسابيع ليستعيد توازنه الهرموني بعد الولادة الطبيعية، وقد يطول الأمر أكثر بعد القيصرية (ACOG, 2020). كذلك، يتأثر الجهاز البولي، وتعاني العديد من النساء من ضعف عضلات الحوض، ما قد يسبب تسربًا في البول عند الضحك أو السعال. وهو ما يُعرَف بالسلس البولي.
لكن، لا تقلقي. ممارسة تمارين كيجل بانتظام يساعد في تقوية عضلات الحوض، ويقلّل من هذه العوارض بشكل فعّال. ولضمان تعافٍ سليم، لا تترددي في استشارة طبيبة النساء بعد الولادة.
2. الصحة النفسية
مع كل فرحة المولود الجديد، تظهر مشاعر غريبة ومربكة. قد تجدين نفسك تبكين فجأة، أو تشعرين بالحزن، رغم أنكِ “مفروضة تكوني سعيدة”. تُعرَف هذه الحال بـ”اكتئاب ما بعد الولادة“، وهي تصيب 1 من كل 7 أمهات وفقًا لجمعية الطب النفسي الأمريكية (APA, 2018).
أول 40 يوم بعد الولادة هي فترة تعرّض فيها الأم للكثير من الضغط: قلة النوم، وتغيّر الهوية، والتوقعات المجتمعية المثالية. لذا، من الطبيعي أن تحتاجي للدعم النفسي، سواء من شريكك، أو من صديقاتك، أو من مختصّ.
التحدّث عن مشاعرك ليس ضعفًا. بل هو خطوة شجاعة تحميكِ وتحمي علاقتكِ بطفلك. ويمكن للعلاج السلوكي المعرفي (CBT) أن يساعد في التخفيف من عوارض القلق والاكتئاب بشكل فعّال كما تؤكّد دراسات من Mayo Clinic.
3. الرضاعة الطبيعية
قد تعتقد الكثيرات أن الرضاعة الطبيعية أمر تلقائي، لكنه في الحقيقة يتطلب تدريبًا وصبرًا. في أول 40 يوم بعد الولادة، قد تعانين من تشقّقات الحلمة أو احتقان الثدي، أو حتى من صعوبة في تثبيت الطفل على الثدي.

توصي منظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية الحصرية في أول 6 أشهر، وتعتبر هذه الفترة مهمة لبناء مناعة الطفل وتعزيز الترابط العاطفي بين الأم والمولود. لذلك، احرصي على الرضاعة كل ساعتين إلى ثلاث، واطلبي المساعدة من استشارية رضاعة في حال واجهتِ صعوبات.
ولا تنسي أن التغذية الجيدة وشرب الماء بكميات كافية ضروريان لدعم عملية الإرضاع.
4. العلاقات الزوجية والضغوط الاجتماعية
بعد الولادة، تتغيّر العلاقة الزوجية. التعب، وقلة النوم، وعدم الراحة الجسدية، جميعها عوامل تؤثّر على الحميمية والتواصل. في أول 40 يوم بعد الولادة، من الطبيعي أن تشعري بعدم الرغبة أو القدرة على العودة للحياة الزوجية المعتادة.
من المهم التحدث بصراحة مع الشريك، والتفاهم حول التغيرات التي تمرّين بها. تحتاج العلاقات إلى وقت، ولا يجب أن تضعي على نفسكِ ضغطًا إضافيًا. كما يجب أن تتذكري أن جسمكِ بحاجة للراحة، وليس لتلبية التوقعات المجتمعية.
أيضًا، لا تستمعي كثيرًا للتعليقات السطحية أو النصائح غير الطبية. اختاري دائمًا أن تُصغي لجسمكِ، ولمن يدعمك علميًا وإنسانيًا.
5. النوم والتغذية
تُعَدّ قلة النوم واحدة من أكبر التحديات في أول 40 يوم بعد الولادة. فالنوم المتقطع يؤثر على المناعة، والمزاج، وحتى على إنتاج الحليب. لذلك، حاولي النوم عندما ينام طفلك، حتى لو لفترات قصيرة.

أما التغذية، فهي عنصر أساسي في تعافيك. يجب أن تتناولي وجبات غنية بالبروتين، والخضار، والدهون الصحية، والحديد. وابتعدي عن السكريات العالية والوجبات السريعة. أكّدت دراسات عديدة أن النظام الغذائي الصحي يسرّع من تعافي الرحم، ويحسّن المزاج العام، ويمنع فقر الدم.
6. الشعور بالذنب
تشعر كثير من الأمهات في هذه المرحلة بالذنب: “هل أقدّم لطفلي ما يكفي؟”، “هل أبالغ إذا شعرتُ بالإرهاق؟”، “هل أنا أم جيدة؟” هذا الصوت الداخلي المتشكك ليس غريبًا.
لكن، الأبحاث النفسية توضّح أن الشعور بالذنب الزائد قد يؤدي إلى احتراق عاطفي، خاصّةً في حال غياب الدعم. لذلك، اسمحي لنفسكِ بأن تُخطئي، وأن تتعبي، وأن تطلبي المساعدة.
الأمومة ليست سباق كمال. بل هي تجربة إنسانية مليئة بالتجارب، والنجاحات، والإخفاقات. وكل يوم تتعلمين شيئًا جديدًا، وهذه بحد ذاتها بطولة.
الخلاصة
أول 40 يوم بعد الولادة ليست فقط فترة “نفاس”، بل هي بداية رحلة جديدة تحمل في طيّاتها الكثير من المشاعر والتحوّلات. ومن خلال هذا المقال، حاولت أن أضع بين يديكِ خارطة طريق شاملة لهذه المرحلة الحساسة، اعتمادًا على ما أثبتته الأبحاث الحديثة في الطب، وعلم النفس، والتغذية. استثمري هذه الفترة بالراحة، وتقبّلي التغيرات، واطلبي الدعم عندما تحتاجين إليه. فأنتِ لا تمرّين بهذه المرحلة وحدك، وهناك دائمًا من يمكنه أن يفهمكِ ويمدّ لكِ يد العون. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن خطة التعافي السريعة بعد الولادة القيصرية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن الصراحة في الحديث عن أول 40 يوم بعد الولادة ضرورية لكل امرأة. التجميل المفرط لهذه المرحلة لا يخدم الأمهات، بل يجعل من الطبيعي غريبًا ومن الصعب مؤلمًا أكثر. لذلك، أدعو كل امرأة أن تفتح قلبها وتشارك تجاربها، وأن تتذكّر دائمًا أنها قوية، حتى في لحظات التعب والبكاء.