إنّ الفرق بين الحب والمودة هو موضوع يلامس جوهر العلاقة العاطفية التي تعيشينها يومًا بعد يوم. نسمع كثيرًا عن الحب الحقيقي، ونردّد كلمة المودة، لكن هل تعلمين حقًا ما الفرق بينهما؟ وهل هما متشابهان أم مختلفان تمامًا؟ قبل أن تنجذبي خلف المشاعر الجارفة، افهمي تفاصيل كل شعور. واكتشفي لماذا خصّ الله تعالى “المودة” في كتابه الكريم بدلًا من الحب.
في هذا المقال، نوضح لكِ أولًا المعنى العلمي والعاطفي لكلا المصطلحين. بعد ذلك، سنشرح الفرق الديني والنفسي بينهما. ثم نجيب على سؤال لطالما راود ذهنكِ: لماذا وردت المودة في القرآن بدلًا من الحب؟
ما هو الفرق بين الحب والود؟
ما هو الفرق بين الحب والمودة ؟ في البداية، لنتعرّف معًا إلى المعنى اللغوي والنفسي لكل منهما. الحب شعور قوي يفيض بالشغف والانجذاب. ينشأ فجأة، ويتطور بسرعة، وقد يحمل في طيّاته كثيرًا من العاطفة وأحيانًا التعلّق. أما المودة، فهي شعور ناعم، ينمو بهدوء، ويستمر بثبات. تقوم على الاحترام بين الشريكين، والرحمة، واللطف، والرغبة في تحقيق سعادة الطرف الآخر بدون شروط.

يفرّق علم النفس بين النوعين بوضوح. فالحب يمكن أن يكون مؤقتًا، إذ قد يتأثّر بالظروف، أو يتغيّر بمرور الوقت. لكن المودة تبقى أكثر ثباتًا، لأنها تتأسّس على الفهم المتبادل والتقدير العميق. لذلك، نلاحظ أن الكثير من العلاقات تبدأ بالحب، لكنها لا تدوم إلا إذا وُجدت المودة.
ومن جهة أخرى، أشارت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Social and Personal Relationships عام 2019 إلى أنّ الأزواج الذين يُعبّرون عن مشاعر المودة بشكل يومي، يشعرون برضا عاطفي أعمق من أولئك الذين يركّزون فقط على الحب الرومانسي. هذا يعني أن المودة أكثر استقرارًا وتأثيرًا على المدى الطويل.
لماذا قال الله المودة ولم يقل الحب؟
كيف حدّد الله الفرق بين الحب والمودة ؟ هنا تكمن الدقّة البلاغية والمعنوية. قال الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة: “وجعل بينكم مودة ورحمة”، ولم يقل “حبًا ورحمة”. هذا التعبير ليس مجرد مصادفة لغوية، بل يحمل دلالة عميقة.

أولًا، الحب قد يترافق أحيانًا مع الأنانية أو الرغبة في الامتلاك. أما المودة، فتعبّر عن العطاء والتفهّم والرغبة في إسعاد الآخر من دون مقابل. ثانيًا، الحياة الزوجية لا تقوم فقط على المشاعر الجيّاشة. بل تحتاج إلى الصبر، والاحتواء، والدعم. وهذه الصفات تنتمي إلى المودّة، لا إلى الحبّ المجرّد.
وبناءً على تفسير علماء التفسير مثل ابن كثير والطبري، فإنّ “المودة” تشير إلى العلاقة الهادئة الرحيمة التي تجمع بين الزوجين، وتحافظ على استقرار الأسرة، حتى بعد أن يخبو لهيب الحب الأولي.
أيضًا، في علم الأعصاب، بيّنت الأبحاث أن مشاعر المودة ترتبط بإفراز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون “الترابط”، والذي يؤدّي دورًا محوريًا في بناء علاقات طويلة الأمد. أما الحب الرومانسي، فيرتبط بالدوبامين، وهو هرمون الإثارة والمتعة الفورية.
هل الود يعني الحب؟
ما هو الفرق بين الحب والمودة ؟ في الظاهر، قد تعتقدين أن الود والحب مترادفان. لكن في العمق، يختلفان. الود لا يعني الحب دائمًا، لكنه يتضمّنه أحيانًا. بمعنى آخر، كل علاقة حبّ حقيقي تحتاج إلى ودّ، لكن ليس كل ودّ هو حب.

قد يُوجَّه الودّ نحو الأهل، والأصدقاء، وحتى الزملاء. تشعرين بالراحة معهم، وتتمنّين لهم الخير، من دون أن يرتبط الأمر بشغف أو انجذاب. بينما الحب يتطلّب ارتباطًا عاطفيًا أعمق، ورغبة في القرب الدائم.
من ناحية واقعية، كثير من النساء يعتقدن أن الحب هو البداية والنهاية، لكن في الحقيقة، ما يحفظ العلاقة مع الوقت هو الود. لأنه أهدأ، أنضج، وأكثر قدرة على الاستمرار. لذلك، عندما تختارين شريك حياتك، لا تنظري فقط إلى مشاعر الحب، بل اسألي نفسك: “هل أشعر بالود تجاهه؟ وهل يشعر به تجاهي؟”
الخلاصة
في النهاية، يتّضح أن الفرق بين الحب والمودة ليس مجرّد فرق لغوي، بل هو فرق في العمق، في الاستقرار، وفي التأثير على العلاقة العاطفية. الحب قد يبدأ قويًا لكنه يبهت إذا لم يرافقه ودّ. أما المودة، فهي التي تصمد أمام الظروف، وتمنح العلاقة معناها الحقيقي. اختاري الرجل الذي تشعرين معه بالسكينة، لا فقط بالنبض السريع. وامنحي لنفسكِ فرصة العيش في علاقة ناضجة، تنمو بالمودة وتزهر بالرحمة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وعرضنا لكِ كلام عن الحب الحقيقي.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أعتقد أنّ المرأة الذكية لا تبحث فقط عن الحب، بل تسعى خلف المودة. لأن الحب وحده لا يكفي لبناء علاقة صحية. لقد رأيت كثيرًا من العلاقات تنهار رغم وجود الحب، فقط لأن المودة كانت غائبة. بينما العلاقات التي تقوم على الاحترام، والدعم المتبادل، والتقبّل، تدوم حتى بعد أن يتغيّر شكل الحب أو يخفت وهجه. المودة، من وجهة نظري، هي جوهر الاستمرارية، وهي أجمل هدية يمكن أن تمنحيها لنفسكِ في علاقتكِ مع من تحبّين.