عندما يصل طفلكِ إلى سنّ المراهقة، تبدأ مرحلة جديدة مليئة بالتحدّيات التي قد تبدو مُربِكة في البداية. فجأة، تجدين أنَّ صوتكِ، الذي كان مصدر الطمأنينة والتوجيه، لا يؤثّر به كما كان في السابق. بدلًا من الشعور بالانزعاج أو الحزن، تذكّري أنَّ هذا التغيّر ليس اختيارًا منه بل نتيجة عمليّة بيولوجيّة ونفسيّة مُعقَّدة تُعِدّه للحياة المستقلّة. وهذه الظاهرة ستستمرّ بتأثيرها معه إلى حدّ انتهاء سنّ المراهقة.
تشير الدراسات الحديثة إلى أنّ هناك عوامل وراثيّة وبيولوجيّة تدفع طفلكِ إلى هذا التصرّف، ممّا يُظهر أنَّ التمرّد ليس فعلًا متعمّدًا بل خطوة ضرورية لنموّه النفسي والاجتماعي. يمنحكِ فهم هذه التغييرات أدوات أفضل للتعامل مع هذه المرحلة بمحبّةٍ ووعي.
ما الذي يحدث داخل دماغ طفلكِ؟
أظهرت دراسة حديثة أنّ Ventromedial Prefrontal Cortex، الجزء المسؤول عن جمع الإشارات الحسية والعاطفية والاجتماعية، يعمل بشكل مختلف لدى المراهقين. في الطفولة، يتنشّط هذا الجزء عندما يسمع طفلكِ صوتكِ، مما يجعله يستجيب لكِ بحماسة واهتمام. لكن مع دخوله المراهقة، يبدأ الدماغ في التكيّف للاستجابة أكثر للأصوات الخارجية، وخاصة أصوات الأشخاص من خارج الأسرة.
الحاجة إلى بناء العلاقات الاجتماعية
هذا التحوّل مرتبط بغريزة البقاء. في العصور القديمة، كان المراهقون بحاجة إلى تكوين روابط اجتماعية خارج الأسرة لضمان بقائهم. هذه الغريزة ما زالت متجذّرة فينا، وتظهر بوضوح في هذه المرحلة العمرية. ما يعني أنّ طفلكِ لا يتجاهلكِ عمدًا، بل يسعى بشكل طبيعي لاستكشاف العالم من حوله وتعزيز استقلاليته.
كيف يمكنكِ دعم طفلكِ خلال هذه المرحلة؟
1. افهمي التغيير وتقبّليه بحبّ
من المهم أن تعرفي أنّ ما يمرّ به طفلكِ طبيعي تمامًا وليس تمرّدًا شخصيًا عليكِ. يساعدكِ هذا الفهم على التخفيف من ردود الفعل العاطفيّة السلبيّة. تذكّري أنّه ما زال يحتاجكِ، ولكن بطريقةٍ مختلفة.
2. استخدمي أسلوب الحوار بدلًا من الأوامر
إذا شعرتِ أنَّ طفلكِ لم يعد يستجيب لتوجيهاتكِ بالطريقة التي اعتدتِ عليها، فهذا لا يعني أنّه لا يهتمّ. استخدمي أسلوب الحوار المفتوح بدلًا من فرض الأوامر. اطرحي أسئلة تدعوه للتفكير والنقاش مثل: “ما رأيك بهذا الأمر؟” أو “كيف تفضّل أن نتعامل مع هذا الموقف؟”. يُظهر له هذا النهج احترامكِ لرأيه ويعزّز رغبته في التفاعل معكِ.
3. كوني حاضرة ولكن بدون تدخّل زائد
لا تعني رغبة طفلكِ في الاستقلال أنّه لم يعد بحاجة إليكِ. بالعكس، هو يحتاج إلى دعمكِ، ولكن بطريقةٍ مرنة وغير ضاغطة. كوني حاضرة عند الحاجة، وامنحيه المساحة التي يحتاجها لاتّخاذ قراراته بنفسه.
4. ركّزي على بناء الثقة
الثقة هي الأساس لعلاقة ناجحة مع طفلكِ المراهق. حافظي على وعودكِ معه، وتجنّبي الانتقاد المبالغ فيه أو التوبيخ العلني. بدلًا من ذلك، امدحي خطواته الإيجابية وناقشي الأخطاء بروح إيجابية تشجّعه على تحسين نفسه.
تمرّد طفلكِ المراهق ليس تمرّدًا عليكِ كشخص، بل هو انعكاس للتغيّرات البيولوجية والنفسية التي يمرّ بها. هذه المرحلة تتطلّب منكِ تفهّمًا وصبرًا وحبًّا غير مشروط. بدلًا من اعتبارها تحدّيًا، انظري إليها كفرصة لبناء علاقة أكثر نضجًا وقوّة مع طفلكِ. عندما تدعمينه بالطريقة الصحيحة، ستجدين أنّ هذه المرحلة هي نقطة انطلاق نحو شخصيته المستقلة والناجحة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وقدّمنا لكِ نصائح لبناء الثقة مع ابنكِ المراهق.