أظهرت دراسة حديثة نُشرَت في مجلّة “ساينتفك أميركان” أنّ الاعتقاد السائد بأنّ كبار السن يصبحون أبطأ في التفكير وأقلّ قدرة ذهنيّة مع تقدم العمر ليس دقيقًا بالكامل. على العكس، فإنّ الدراسة تبرز أنّه عندما يبدأ التقدّم في السنّ لدى الإنسان يمكن أن يصاحبه تطوّر في القدرة على حلّ المشاكل، واستقرار عاطفي أكبر.
إنّ أدمغة الأشخاص المسنين، رغم تراجع بعض الوظائف البسيطة، إلّا أنّها تكتسب عمقًا وتجارب ثريّة تجعلهم أكثر حكمة مقارنةً بمراحل حياتهم السابقة.
التصحيح العلمي حول الشيخوخة
تؤكّد لورا كارستنسن، مديرة مركز ستانفورد لطول العمر، أنّ النظرة الشائعة حول كبار السنّ، والتي تصوّرهم على أنّهم يتعرّضون لانحدار مستمرّ، هي نظرة بعيدة عن الواقع. تقول كارستنسن: “كبار السن ليسوا جميعًا متشابهين كما يُعتقد، وليس صحيحًا أن الشيخوخة تعني دائمًا تدهورًا مستمرًا في القدرات.”
بالطبع، قد يعاني البعض من أمراض مثل الخرف، لكن الأغلبيّة الكبرى تحتفظ بقدراتها المعرفيّة، بل وتتعزّز مع مرور الوقت، وفقًا لما أكّده جون رو، أستاذ الشيخوخة والسياسة الصحيّة بجامعة كولومبيا. في دراسة أُجريَت على عدد من كبار السنّ، تبيّن أنّ ثلاثة أرباع الأفراد الذين تجاوزت أعمارهم السبعين لم يظهروا تراجعًا إدراكيًا ملموسًا.
النمو العاطفي
توضّح عالمة النفس سوزان كويليام، التي لديها سنوات من الخبرة في مجال العلاقات، أنّ التقدّم في العمر يمنح الأفراد فرصة لتطوير الحكمة العاطفيّة. تقول كويليام: “مع تقدّمنا في العمر، تصبح مشاعرنا أقلّ اندفاعًا، ونكتسب قدرة أكبر على اتّخاذ قرارات مدروسة بحكمة. كما أنّ حياتنا وتجاربنا تعلّمنا كيف نواجه التحدّيات بثقة.”
من خلال هذه التجارب، يقلّ تأثير العواطف والهرمونات على القرارات اليوميّة، ويحلّ محلّها تركيز أعمق ورؤية أوضح للعالم.
حلّ المشاكل
في حين أنّ كبار السن قد يواجهون تحدّيات في تذكّر بعض التفاصيل أو التعامل مع التكنولوجيا الحديثة، إلّا أنّهم يبدون مهارة لافتة في معالجة القضايا المعقَّدة. يقول العلماء إن الخبرة المتراكمة عبر السنين تمنح كبار السن مرونة في التعامل مع المواقف الصعبة.
توضح كويليام أنّ الخبرة تمنح الأفراد استراتيجيّات قويّة للتكيّف مع المشاكل: “في كلّ مرة نواجه فيها تحديًا جديدًا، نصبح أكثر قدرة على مواجهته في المستقبل.”
جين، وهي سيدة تبلغ من العمر 70 عامًا، تقول إنها أصبحت أكثر تركيزًا وأقل تشتيتًا، وتضيف: “تعلّمت أن أواجه الصعوبات بطريقة منظمة وفعالة، وهذا ما لم أكن أملكه في شبابي.”
الاستقرار العاطفي
مع تقدّم العمر، يصل الأفراد إلى حال من التوازن النفسي، ممّا يتيح لهم التمتّع بمزيد من الاستقرار العاطفي. جوديث، التي بلغت سنّ الثانية والسبعين، تقول إنّها باتت أكثر هدوءًا وأقلّ قلقًا بشأن ما يعتقده الآخرون عنها، مشيرةً إلى أنذ كثيرًا من مخاوف الشباب لم تعد تؤثّر عليها.
يمنح هذا الاستقرار العاطفي الأفراد القدرة على رؤية المواقف من زوايا متعدّدة، وفهمها بعمق، ما يجعلهم أكثر حكمة وأقلّ تأثرًا بالضغوط اليوميّة.
الرفاهية المتزايدة: حياة أكثر رضا
تؤكّد كويليام أنّ التقدم في العمر يتيح للأفراد إعادة ترتيب أولوياتهم والاهتمام بما هو أكثر أهمية بالنسبة لهم. تقول إن هذه المرحلة من الحياة هي فترة ذهبيّة يمكن الاستمتاع بها بعمق، حيث تصبح الأعباء أقلّ، ويصبح الوقت متاحًا للتركيز على الذات والتمتّع بالحياة.
ميك، البالغ من العمر 72 عامًا، يقول إنّ هذه المرحلة جلبت له هدوءًا داخليًا، ومكّنته من رؤية الحياة من منظور أعمق وأكثر اتّزانًا. ويضيف أنّ الخبرات الحياتيةّ علّمته كيف يتعامل مع الأزمات بشكلٍ أكثر حكمة وهدوء.
ختامًا، إنّ التقدّم في العمر لا يعني بالضرورة تدهور القدرات العقليّة والعاطفيّة، بل هو فرصة للنموّ والنضج. مع تقدّم العمر، نكتسب حكمة عميقة واستقرارًا نفسيًا، ممّا يمكّننا من الاستمتاع بالحياة بشكلٍ أكبر. هذا التوازن العاطفي والذهني يجعل من الشيخوخة فترة مثمرة يمكن الاستفادة منها لتحقيق الراحة والسعادة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن عادات قد تجعلك أكثر ذكاءً مع التقدم في السن.