تزداد اسباب جفاف البشرة تعقيدًا عندما لا ترتبط فقط بالطقس أو الوراثة، بل تتغلغل أحيانًا في عاداتنا اليومية من دون أن نلاحظ. كثيرات يشعرنَ بشدّ الوجه، وتشقّقات الشفاه، أو خشونة غير مبرّرة بالرغم من استخدام كريمات الترطيب بانتظام. في الواقع، يمكن لممارسة بعض العادات البسيطة أن تدمّر توازن البشرة وتجعلها تفقد رطوبتها الطبيعية.
سنتناول في هذا المقال أبرز الأسباب الشائعة وغير المتوقعة لجفاف البشرة. ثم سنكشف عن دور روتينكِ اليومي، وأسلوب حياتكِ، وحتى نوع المنتجات التي تستخدمينها في تفاقم هذه المشكلة. كما سندعّم المعلومات بأبحاث علمية موثوقة لتقدّمي لنفسكِ عناية واعية ومتوازنة.
استخدام غسول قاسي
تتسبب المنظفات الغنية بالكبريتات والمكونات العطرية الصناعية في إزالة الزيوت الطبيعية عن سطح البشرة. تشكّل هذه الزيوت الحاجز الدفاعي الأول ضد الجفاف. عند استخدام صابون أو غسول يحتوي مواد كيميائية قوية، تفقد البشرة قدرتها على الاحتفاظ بالماء. ممّا يؤدي إلى الشعور بالتقشّر والشدّ بعد الغسل.

أكدت دراسة نُشرت في Journal of Dermatological Science عام 2020 أنّ الصابون القاسي يؤثّر مباشرةً على طبقة الحماية الخارجية للبشرة، ويزيد من فقدان الماء عبر الجلد (TEWL).
لذا، استبدلي المنظف القاسي بآخر لطيف وخالٍ من الكحول والعطور، وركّزي على استخدام التركيبات الغنية بالسيراميد أو الجلسرين.
تجاهل الترطيب بعد الاستخدام
يفقد الجلد كمية كبيرة من الرطوبة مباشرة بعد الاستحمام. عند عدم ترطيب البشرة فورًا، يتبخر الماء، ويحدث الجفاف تدريجيًا. حتى لو استخدمتِ مرطّبًا لاحقًا، تكون البشرة قد دخلت في حلقة من فقدان الماء يصعب تداركها.
أوصت American Academy of Dermatology بوضع المرطب في غضون 3 دقائق بعد الاستحمام لضمان حبس الماء داخل الجلد. هذا التوقيت يساعد على الاستفادة القصوى من الرطوبة العالقة بعد الماء الساخن. كما يمكن استخدام جل الصبار للوجه والحصول على فوائده المرطّبة والمعالِجة.
استخدمي كريمًا غنيًا أو زيتًا خفيفًا فور الانتهاء من الحمام. مرّريه بلطف على البشرة وهي لا تزال رطبة.
اعتماد الماء الساخن دائمًا
يؤدي الماء الساخن إلى تفتيت الطبقة الدهنية الواقية للبشرة. كلما طالت فترة الاستحمام أو ارتفعت درجة الحرارة، زادت نسبة الجفاف. الماء الفاتر لا يسبّب هذا التأثير، بل يحافظ على توازن البشرة.
أثبتت دراسة نشرتها Clinical, Cosmetic and Investigational Dermatology عام 2021 أن الاستحمام بالماء الساخن يُحدث تغيرات في تركيب الدهون الجلدية (lipid matrix). ممّا يضعف وظيفة الحاجز الواقي ويسهّل تسرّب الماء.
اختصري وقت الاستحمام، واستخدمي الماء الفاتر. وبعد الانتهاء، ربّتي بمنشفة ناعمة بدلًا من الفرك القاسي.
المبالغة في تقشير البشرة
يُعتبر التقشير خطوة مفيدة لتجديد الخلايا. لكن عندما يتكرر بكثرة، تتآكل طبقة الحماية الطبيعية، مما يؤدي إلى فقدان الرطوبة بشكل سريع. تُستخدَم الحموض المقشّرة مثل AHA أو BHA مرّة إلى مرتين في الأسبوع فقط حسب نوع البشرة.

إنّ لتقشير اليومي أو استخدام أكثر من نوع من المقشّرات في الروتين ذاته يُرهق البشرة، ويؤدي إلى الحساسية والجفاف. وقد تشمل العلامات الاحمرار، والحكة، والشعور بالحرق.
اتّبعي نظام تقشير معتدل، وراقبي بشرتكِ. اختاري تركيبات تحتوي مكوّنات مهدّئة مثل النياسيناميد أو الألانتوين لتقليل التهيّج.
تجاهل الترطيب الليلي
خلال الليل، ترتفع قدرة الجلد على الامتصاص، وتعمل الخلايا على التجدد والإصلاح. وعدم استخدام مرطّب ليلي يحرم البشرة من فرصة تعويض الفاقد طوال النهار. كما أنّ النوم في بيئة جافة أو أمام المكيّف يزيد الوضع سوءًا.
ركّزي على استخدام كريم ليلي غني بالهيالورونيك أسيد أو زيت الأرغان، وضعيه بعد تنظيف الوجه مباشرة. هذا يُساعد على منع التبخّر ويحمي البشرة من الاحمرار الليلي.
المعاناة من جفاف داخلي
لا تقتصر اسباب جفاف البشرة على العوامل الخارجية فقط. يؤدّي الجفاف الداخلي دورًا كبيرًا. قلة شرب الماء، أو نقص الأحماض الدهنية الأساسية مثل أوميغا 3، أو انخفاض الفيتامينات (A, E, D) ينعكس مباشرة على ملمس البشرة ونضارتها.
بيّنت دراسة نُشرت في Nutrients سنة 2019 أنّ الحصول على التغذية الغنية بالأوميغا 3 والزنك تُعزّز رطوبة الجلد وتقلل من الالتهاب الناتج عن الجفاف.
أدخلي الأطعمة الغنية بالدهون الصحية إلى نظامكِ الغذائي، مثل الأفوكادو، وبذور الشيا، والمكسّرات. واحرصي على شرب ما لا يقل عن 2 ليتر من الماء يوميًا.
التعرّض كثيرًا للشمس
تُعدّ الأشعة فوق البنفسجية من أبرز اسباب جفاف البشرة. حتى في الأيام الغائمة، تخترق الشمس الجلد وتؤثر على توازنه المائي. فالبشرة التي لا تحصل على حماية كافية تصبح أكثر عرضة للتشقق والبقع.

أكّدت دراسة في International Journal of Cosmetic Science أن التعرّض المتكرر للشمس يضعف الحاجز المائي الدهني ويزيد من معدل TEWL (فقدان الماء عبر الجلد).
استخدمي واقيًا شمسيًا بعامل حماية 30 أو أكثر يوميًا، وجدديه كل ساعتين عند التعرّض المباشر. واحرصي على أن يحتوي على مضادات أكسدة مثل فيتامين C.
الخلاصة
تتعدد اسباب جفاف البشرة، لكن في كثير من الأحيان، تكون التفاصيل الصغيرة في روتينكِ هي المتهم الخفي. الصابون، والماء الساخن، وتقنيات الغسل، وتوقيت الترطيب، ونمط الحياة كلها عناصر تؤثر على بشرتكِ أكثر مما تتوقعين.
عند تعديل هذه العادات، وتحسين الترطيب الداخلي والخارجي، ستلاحظين تحوّلًا كبيرًا في ملمس بشرتكِ وصحتها. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن مكوّن طبيعي يعيد نضارة بشرتك بعد ساعات السهر الطويلة مع طفلك.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أجد أن العناية بالبشرة ليست فقط في اختيار منتجات باهظة، بل في الوعي بتأثير كل تفصيل صغير على بشرتنا. التجربة، والملاحظة، والاهتمام المستمر تصنع الفرق الحقيقي. لا تنتظري حتى تتقشر بشرتكِ لتسألي عن السبب.. بل راقبي يومكِ، وتعلمي كيف تحبين بشرتكِ من خلال العادات اليومية.