دراسة تؤكّد: أنتِ تؤذين طفلكِ من دون أن تدركي! في عصرنا الحالي، يسعى الأهل دائمًا لتوفير أفضل بيئة تعليميّة لأطفالهم، ومع ذلك، قد لا يدرك الكثير منهم أنّ ممارسة بعض العادات اليوميّة التي نعتقد أنّها ضروريّة قد تكون ضارّة بصّحة أطفالنا، وأهمّها عدم الالتزام بأساسيّات اختيار الحقيبة المدرسيّة.
وهذا ما أظهرته دراسة حديثة أجرتها الباحثات الدكتور رابية عبد الكريم، شازية إنيات علي، ونديا بارفين تاله، حول تأثير الحقائب المدرسيّة الثقيلة على صحّة الأطفال البدنيّة والنفسيّة في المرحلة الابتدائيّة.
الحقائب المدرسية: حملٌ ثقيل يفوق القدرة
يُعتبَر الأطفال في المرحلة الابتدائيّة، الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و10 سنوات، في مرحلة نموّ حسّاسة تتطلّب عناية فائقة. ومع ذلك، فإن هذه الفترة تشهد عبئًا كبيرًا عليهم من خلال حملهم الحقائب المدرسية التي قد يصل وزنها إلى 50% من وزن أجسامهم.
تشير الدراسة إلى أنّ الأطفال يُجبَرون على حمل حقائب تحتوي كتب، وكرّاسات، وأحيانًا أدوات أخرى تزيد من ثقلها، وبينما يتمّ التركيز على ضرورة توفير جميع المواد التعليميّة، يتمّ تجاهل الأثر السلبي لهذا الوزن الكبير على أجسادهم النامية.
تشير البيانات إلى أنّ 60% من الأطفال الذين يحملون هذه الحقائب يعانون من آلام في الظهر، بينما يعاني 48% منهم من آلام في الرقبة من الخلف. وتعكس هذه الأرقام مشكلة صحيّة خطيرة تتطلّب التدخّل السريع.
فقد أكّد الدكتور سانجاي كومار سورين، الجرّاح المختصّ في العظام، أنّ “حمل الحقائب التي تفوق 15% من وزن جسم الطفل قد يؤدّي إلى مواجهته مشاكل دائمة في العمود الفقري، ممّا يسبب انحناءات غير طبيعيّة وتضرّر في العضلات والعظام.”
التأثيرات الصحيّة والنفسيّة لحمل الحقائب الثقيلة
لا تتوقف الأضرار الناتجة عن الحقائب الثقيلة عند الألم الجسدي فقط، بل تمتدّ لتشمل تأثيرات نفسيّة عميقة. فقد أظهرت الدراسة أن الأطفال الذين يحملون حقائب ثقيلة يكونون عرضة للإصابة بالإجهاد النفسي الذي يمكن أن يؤثّر على قدراتهم العقلّية والإبداعيّة.
يتجلّى هذا الإجهاد في صورة تراجع في الأداء الأكاديمي وانخفاض في مستوى النشاط والاهتمام بالتعلم. وقد أكّد 67.3% من المعلّمين المشاركين في الدراسة أنّ “رفع الحقائب الثقيلة يؤثّر سلبًا على النموّ الجسدي للأطفال، ممّا يؤدي إلى تأخّر في النمو وتغيّرات في الهيكل العظمي.”
ومن النتائج المثيرة للقلق التي أظهرتها الدراسة أن الأطفال يبدأون في فقدان الاهتمام بالمدرسة نتيجة للضغوط الجسديّة والنفسيّة التي يتعرّضون لها بسبب حمل الحقائب الثقيلة.
وقد أشار 50% من المعلّمين إلى أنّ الأطفال يظهرون علامات الإرهاق والتعب الشديد بعد العودة من المدرسة، ممّا يؤثر على قدرتهم على أداء الواجبات المنزليّة والمشاركة في ممارسة الأنشطة الترفيهيّة.
إحصاءات تؤكّد حجم المشكلة
في سبيل تقديم نظرة شاملة عن حجم المشكلة، قامت الباحثات بجمع وتحليل بيانات من عدّة مدارس في مدينة كراتشي. وأظهرت النتائج أنّ وزن الحقائب المدرسية يزيد بشكلٍ ملحوظ عن الوزن الموصى به من قبل الأطبّاء والمختصّين.
فعلى سبيل المثال، الأطفال في الصف الأول، الذين يتراوح وزنهم بين 18 و20 كجم، يحملون حقائب تزن بين 3.5 و4 كجم. بينما طلاب الصف الخامس، الذين يتراوح وزنهم بين 30 و35 كجم، يحملون حقائب تزن بين 5.5 و7.5 كجم. وهذه الأرقام تتجاوز بكثير الوزن الموصى به من قبل منظّمة الصحّة العالميّة التي تنصح بأن لا يتجاوز وزن الحقيبة 10% من وزن جسم الطفل.
وقد أشار الدكتور هارفندر سردهو، جرّاح العمود الفقري في مستشفى نيويورك، إلى أنّ “وزن الحقيبة المدرسيّة يجب أن يكون أقل بكثير ممّا هو عليه حاليًا. الأطفال يضطرّون لحمل حقائب تزن ما بين 26 إلى 40 رطلًا، وهو ما يعادل حمل ثلث وزنهم تقريبًا، وهذا أمر غير مقبول على الإطلاق.”
الآثار طويلة الأمد
أكّدت الباحثة شازية إنيات علي في تعليقها على الدراسة أنّ “الأطفال الذين يحملون حقائب ثقيلة بشكل يومي يمكن أن يعانوا من مشاكل طويلة الأمد تشمل اضطرابات في العضلات والعظام وتغيرات في بنية العمود الفقري.” وتضيف أنّ “هذه المشاكل لا تقتصر فقط على الألم الجسدي، بل قد تؤدّي إلى تغيّرات دائمة في بنية العمود الفقري، ممّا يجعل الطفل عرضةً لمواجهة مشاكل صحيّة خطيرة في المستقبل.”
من المهمّ أيضًا ملاحظة أنّ الأطفال الذين يعانون من آلام مزمنة نتيجة حمل الحقائب الثقيلة قد يكونون أكثر عرضة للإصابة بعوارض الاكتئاب والقلق. فقد أظهرت دراسة أجرتها منظّمة الصحة العالمية في عام 2019 أنّ الأطفال الذين يعانون من آلام مزمنة يكونون أكثر عرضةً للإصابة بمشاكل نفسيّة وعاطفيّة، ممّا يؤثّر على جودة حياتهم بشكلٍ عام.
توصيات للحدّ من المشكلة
في ضوء هذه النتائج المقلقة، من الضروريّ أن نعيد النظر في الطريقة التي نحمّل بها أطفالنا هذه الأعباء اليوميّة. ينصح الباحثون بضرورة توعية الأهل والمعلّمين بأهميّة تخفيف وزن الحقائب المدرسيّة واستخدام وسائل مثل الحقائب المزودة بعجلات أو تخفيف عدد الكتب والمواد التي يحتاج الأطفال إلى حملها يوميًا.
كما يجب على المدارس توفير الخزائن لتخزين الكتب والمواد الأخرى لتخفيف العبء عليهم.
كما أشار الدكتور ديفيد نيلز، مختصّ الجراحة العظميّة في كاليفورنيا، إلى أهميّة تدريب الأطفال على كيفيّة حمل الحقائب بشكلٍ صحيح لتجنّب الأضرار الجسدية. وينصح باستخدام الحقائب ذات الحمالات العريضة والمبطَّنة، والتي تساعد على توزيع الوزن بشكل متساوٍ على الكتفين.
في الختام، علينا أن ندرك أنّ الحفاظ على صحّة أطفالنا يبدأ من اتّخاذ قرارات بسيطة ولكنّها مؤثرة في حياتهم اليوميّة. يمكننا تجنّب مواجهة الكثير من المشاكل الصحيّة والنفسيّة لأطفالنا من خلال توعية أنفسنا والآخرين بضرورة اتّخاذ الإجراءات الوقائيّة المناسبة. فالتعليم مهمّ، لكن لا يجب أن يأتي على حساب صحّة أطفالنا الجسديّة والنفسيّة. لذا فلنحرص على مستقبلهم من خلال جعل بيئتهم التعليميّة أكثر أمانًا وصحّة. ومن الجدير بالذكر أنّكِ تستطيعين اتّباع جدول وزن حقيبة الطفل حسب عمره.