يعتبر حكم الطلاق عند الغضب ثلاث مرات من المواضيع الشائكة والحساسة في الشريعة الإسلاميّة، حيث يتساءل العديد من الأزواج عن مدى صحّة وقوع الطلاق في مثل هذه الحال، فهو الحلّ الأخير الذي يلجأ إليه الزوجان عندما تصبح الحياة بينهما غير ممكنة، ولكن ماذا لو حدث الطلاق في لحظة غضب؟ وهل يقع الطلاق وقت الغضب بحسب الشريعة الإسلاميّة؟
في هذا المقال، سنستعرض حكم الطلاق عند الغضب ثلاث مرات، موضّحين تأثير الغضب على وقوعه في الإسلام، وسنسلّط الضوء على الأدلّة الشرعيّة من القرآن والسنة التي تبيّن هذا الحكم، كما سنناقش كيفيّة التصرّف في حال وقوع الطلاق تحت تأثير الغضب، مع تقديم نصائح لتجنب مثل هذه المواقف التي قد تؤدّي إلى نتائج غير مرغوبة.
هل يحدث الطلاق في هذه الحال؟
يُطرح سؤالٌ مهم عند الحديث عن حكم الطلاق عند الغضب ثلاث مرات وهو: هل يقع الطلاق إذا كان الزوج في حال غضب؟ يعتمد الجواب بشكلٍ كبير على طبيعة الغضب الذي يمرّ به الزوج عند إصداره لقرار الطلاق، فالشرع الإسلامي يفرّق بين الغضب الذي يؤدّي إلى فقدان الوعي والسيطرة، والغضب العادي الذي يظلّ فيه الشخص قادرًا على التفكير والتحكّم في أفعاله.
إذا كان الغضب شديدًا لدرجة تجعل الزوج غير مدرك لما يقول بسبب المشاكل الزوجيّة، فإن العلماء يرون أنّ الطلاق في هذه الحال قد لا يقع، وهذا الرأي يستند إلى مفهوم أنّ الغضب الشديد يمنع الشخص من اتّخاذ القرارات بعقلانيّة، وبالتالي فإنّ الطلاق هنا يعتبر غير نافذ، أمّا في حال الغضب العادي، الذي يستطيع الشخص خلاله أن يتحكّم في أفعاله وأقواله، فإن الطلاق يكون واقعًا حتى وإن ندم الزوج بعد ذلك على ما قاله.
من هنا، يجب على الزوج التفكير مليًا قبل اتّخاذ أيّ قرار مصيري مثل الطلاق، وخاصّةً في لحظات الغضب التي قد تؤدّي إلى نتائج غير متوقعة، فالتفكير الهادئ والتروّي قد يمنعان وقوع طلاق غير محسوب العواقب.
الأحاديث والآيات التي تؤكّد هذا الأمر
لإثبات حكم الطلاق عند الغضب ثلاث مرات، من الضروريّ الرجوع إلى النصوص الشرعيّة التي توضّح موقف الإسلام من هذه المسألة.
في القرآن الكريم، نجد أن الله سبحانه وتعالى قد أكّد على ضرورة التروّي والتفكير قبل اتخاذ قرار الطلاق. قال تعالى: “وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” (البقرة: 227)، وهذه الآية تشير إلى أهميّة التفكير الجدّي والعقلاني في قرار الطلاق.
بالإضافة إلى ذلك، هناك حديث نبوي شريف رواه الإمام أحمد يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا طلاق ولا عتاق في إغلاق”، والمقصود بالإغلاق هنا هي حال الغضب الشديد التي يُغلق فيها العقل ويصبح الإنسان غير مدرك لما يقول أو يفعل، وهذا الحديث يُشير بوضوح إلى أنّ الطلاق في حال الغضب الشديد الذي يغلق العقل قد لا يقع، وذلك لأن الشخص في هذه الحال لا يكون قادرًا على اتّخاذ القرارات الصائبة.
ومن هنا، يتّضح أنّ الشرع الإسلامي يأخذ بعين الاعتبار الحال النفسيّة والعقليّة للشخص عند الطلاق، وهذا يظهر بوضوح في الحديث الشريف الذي يوضح عدم وقوع الطلاق في حال الغضب الشديد.
كيفيّة التصرّف في هذه الحال
إذا وقع الطلاق تحت تأثير الغضب، سواء كان شديدًا أو عاديًا، فإنّ التعامل مع هذه الحال يتطلّب حكمة وتروي، لذا يجب على الزوجين أولًا وقبل كلّ شيء استشارة علماء الدين والمفتين لتحديد ما إذا كان الطلاق قد وقع بالفعل أم لا، فهذا الأمر يساعد على تجنّب اتّخاذ القرارات الخاطئة التي قد تكون نتائجها مؤلمة.
من الأمور المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار هي ضرورة حلّ الخلافات الزوجيّة بطرق عقلانيّة وبعيدة عن الغضب، لذا ينصح الأزواج بعدم اتّخاذ قرارات مصيرية في لحظات الغضب، حيث أنّها تكون مليئة بالتوتر والانفعالات التي قد تجعل الإنسان يتصرف بعكس ما يريده فعلًا.
ومن النصائح العملية التي يمكن تقديمها للزوجين في مثل هذه الحال هي اللجوء إلى جلسات الإرشاد الأسري التي يقدّمها مختصّون في العلاقات الزوجيّة، حيث تساعد على التفاهم بين الزوجين وتقديم طرق مناسبة لحلّ المشاكل الزوجيّة المستعصية التي يواجهونها بدون اللجوء إلى الطلاق.
وفي حال لم يكن من الممكن تفادي الطلاق، يجب على الزوجين التعامل مع هذا القرار بحكمة، والالتزام بالتوجيهات الشرعيّة التي تحافظ على حقوق كلا الطرفين وتضمن عدم تضرّر أيّ طرف، وخاصّة الأطفال الذين قد يتأثّرون بشكلٍ كبير من هذه القرارات.
في النهاية، يعدّ حكم الطلاق عند الغضب ثلاث مرات من المواضيع التي تحتاج إلى فهم عميق واستشارة أهل العلم لتفادي الوقوع في خطأ قد يكون له تأثيرات سلبية كبيرة، فالغضب لحظة عابرة قد تجعل الإنسان يتّخذ قرارات يندم عليها لاحقًا، ولذلك من الأفضل التروّي والتفكير مليًّا قبل الإقدام على أيّ خطوة.
يجب أن يكون الطلاق آخر الحلول في حال استنفدت جميع وسائل الإصلاح والتفاهم، فالحياة الزوجيّة تتطلّب الصبر والتفاهم، والطلاق في لحظات الغضب لا يعكس سوى ضعف القدرة على التحكم في المشاعر والانفعالات.
من المهم أن يتعلمّ الزوجان كيفيّة التعامل مع الغضب بطرق صحيّة، مثل الانسحاب من الموقف الذي يسبّب الغضب والتفكير بهدوء قبل اتّخاذ أيّ قرار، فالحياة الزوجيّة هي شراكة طويلة الأمد تتطلّب الكثير من التضحيات والتنازلات، والطلاق في لحظات الغضب قد يكون قرارًا يندم عليه الزوجان طويلًا، لذا من الضروريّ التفكير بعمق قبل اتّخاذ مثل هذه الخطوة، واللجوء إلى الله بالدعاء والتوجه إليه لطلب الهداية والرشد في اتّخاذ القرارات المصيريّة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأطلعناكِ على حكم طلب الطلاق بسبب السكن مع أهل الزوج.