هل يمكن أن يدمر الكذب الأبيض حياتكما الزوجية من دون أن تشعرا؟ سؤال يطرحه كثيرون من الأزواج والزوجات في لحظات التأمل والصراحة. يُعرَّف الكذب الأبيض على أنه كذب “بريء”، يُقال بحسن نية لتجنّب إيذاء المشاعر أو لتفادي جدال حاد. وغالبًا ما يبدو هذا النوع من الكذب غير مؤذٍ على المدى القصير. لكنه قد يخفي آثارًا عميقة تتراكم بصمت مع مرور الوقت. وتؤدّي إلى كثرة المشاكل الزوجيّة.
في هذا المقال، سنسلّط الضوء على خفايا الكذب الأبيض في العلاقات الزوجية. سنبدأ بتحديد أنواعه، ثم نستعرض أسبابه، ونتحدث عن تأثيره على الصحة النفسية والثقة بين الزوجين. وأخيرًا، سنقترح حلولًا بديلة لبناء حوار صادق وصحي في الزواج.
ما هو الكذب الأبيض؟
في هذا القسم، نعرّف الكذب الأبيض بتبسيط وواقعية.
الكذب الأبيض هو نوع من الكذب الذي يُقال بهدف التخفيف أو الحماية. فمثلًا، قد يقول أحد الزوجين “الطعام لذيذ” فقط ليُرضي الآخر، حتى لو لم يعجبه. في دراسة نشرتها جامعة Northwestern الأميركية (2013)، وُجِد أنّ الكذب الأبيض يُستخدم بكثرة في العلاقات القريبة، خاصةً الزوجية، كوسيلة لتجنّب الإحراج أو ردات الفعل القاسية.
لكن رغم نوايا الشخص، يبقى الكذب ابتعادًا عن الحقيقة. ومع تكراره، قد يتحوّل إلى عادة تُضعف الصدق وتقلّل من مصداقية الطرف المتكلم، حتى لو كانت نواياه حسنة.
لماذا نلجأ إلى الكذب الأبيض؟
هنا نشرح الدوافع النفسية والاجتماعية للكذب الأبيض في الحياة الزوجية.
غالبًا ما ينبع الكذب الأبيض من الرغبة في حماية الطرف الآخر أو في الحفاظ على جو من الاستقرار. قد يخشى الزوج أن يُزعج زوجته بنقد ما، أو العكس. كما تؤدّي الضغوط اليوميّة والاجتماعية والموروثات الثقافية دورًا كبيرًا في تعزيز هذا السلوك.
بحسب دراسة نُشرت في Journal of Social and Personal Relationships عام 2021، بيّن الباحثون أن الكذب الأبيض قد يكون مدفوعًا بالشعور بالقلق أو التوتّر من فقدان العلاقة أو من ردات الفعل السلبية. إذ يشعر الطرف الكاذب أنه مجبر على “تجميل” الحقيقة حفاظًا على الحب والسلام الأسري.
لكن هذه الدوافع لا تُبرّر تكرار الكذب. فكل كذبة، مهما كانت بسيطة، تضعف الخيط الرفيع بين الثقة والتشكيك.
هل يمكن أن يدمر الكذب الأبيض حياتكما الزوجية من دون أن تشعرا؟
الآن ننتقل إلى أساس الموضوع، بالإجابة العلمية والواقعية على السؤال المحوري.
هل يمكن أن يدمر الكذب الأبيض حياتكما الزوجية من دون أن تشعرا؟ نعم، يمكن. لأن تكرار هذا النوع من الكذب يخلق فجوة عاطفية غير مرئية. في البداية، قد لا يلاحظ الطرف الآخر الأمر. لكن مع الوقت، يبدأ الشك بالتسلل. وحين تنكشف الأكاذيب البسيطة، يُطرح سؤال مؤلم: “إذا كنتِ تكذبين في هذا، فماذا تخفين أيضًا؟”
أظهرت الدراسات النفسية، منها دراسة أعدّها Dr. Bella DePaulo (جامعة كاليفورنيا)، أنّ الكذب مهما كان نوعه، يؤدي إلى توتر داخلي لدى الكاذب، وإلى اهتزاز في ثقة المتلقي. هذا التوتر يُترجم إلى تباعد عاطفي، أو صمت، أو حتى خصام دائم.
والأخطر من ذلك، أن الكذب الأبيض يعطي انطباعامزيّفًا عن العلاقة. فبدلًا من مواجهة المشاكل، يُغلفها الطرفان بكلمات منمّقة، ما يُبقيها من دون علاج.
ما هي الآثار النفسية للكذب الأبيض؟
هنا نسلط الضوء على ما يحدث داخل كل شريك عند استعمال هذا النوع من الكذب.
لا يقتصر تأثير الكذب الأبيض فقط على العلاقة، بل يمتد إلى الصحة النفسية للأزواج. فالكاذب يشعر بالذنب والضغط، مما يؤثر على مزاجه وتواصله. والمتلقي، حين يكتشف الكذب، يشعر بالخيانة والانفصال العاطفي.
في تقرير نشرته American Psychological Association، تبيّن أن الأزواج الذين يمارسون الكذب الأبيض باستمرار هم أكثر عرضة للقلق، وقلة الحميمية، وتراجع مستويات السعادة الزوجية.
بالتالي، قد يبدو الكذب الأبيض بسيطًا، لكنه يضغط على البناء النفسي للزواج ويُضعف الانسجام الداخلي لكل طرف.
هل هناك بدائل عن الكذب الأبيض؟
البدائل الصادقة ممكنة ومتاحة. وهنا نُقدم بعض الحلول العملية.
بدلًا من قول كذبة بيضاء، يمكن استخدام الصدق الحنون. أي قول الحقيقة لكن بلغة ناعمة ومراعية. فمثلًا، بدلًا من قول “الطعام لذيذ” وأنت لا تحبه، يمكنك قول “أقدّر تعبك جدًّا، وربما أفضّل نكهة مختلفة المرة القادمة”.
أيضًا، تخصيص وقت للحوار الصادق والهادئ بين الزوجين يخفّف من الحاجة إلى الكذب. كلما زادت الأمانة، زادت الثقة. وكلما زادت الثقة، أصبح الصدق أكثر قبولًا.
كذلك، التدريب على “الذكاء العاطفي” يُساعد على إيصال الحقيقة بشكل بنّاء. وهذا يعزز التفاهم ويُخفف من ردات الفعل السلبية.
الخلاصة
في النهاية، لا يبدو الكذب الأبيض مؤذيًا في لحظته. لكن، هل يمكن أن يدمر الكذب الأبيض حياتكما الزوجية من دون أن تشعرا؟ الجواب: نعم، إن استُخدم كحل دائم للهروب من الحقيقة.
بناء علاقة زوجية متينة يتطلب صدقًا، وتفهمًا، وحوارًا ناضجًا. والكذب الأبيض، رغم نيّته الطيبة، لا يفي بهذه المتطلبات على المدى الطويل. بل هو قناع هشّ يخفي واقعًا هشًا. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ لماذا يفشل البعض في الحفاظ على العلاقة الزوجية رغم الحب؟
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن الصدق، ولو كان مؤلمًا، يبني أساسًا لا يهتز. أما الكذب الأبيض، فيحفر شقوقًا في قلب الثقة. لا أطلب من الأزواج أن يكونوا قساة في صدقهم، بل أن يكونوا صادقين برقة. لأن الاحترام الحقيقي لا يعني إخفاء الحقيقة، بل مشاركتها بأسلوب يراعي الآخر. فالعلاقة التي تُبنى على الحنان والصدق، هي علاقة لا يمكن للكذب الأبيض أن يخترقها.
