تمرّ المرأة خلال الحمل بتغييرات هائلة، ويبرز سؤال: لماذا تتقلب مشاعرك بشكل غريب أثناء الحمل؟ كأحد أكثر الأسئلة التي تشغل بال كل أمّ حامل. فبعد لحظات من الفرح الشديد، قد تشعرين فجأة بالحزن أو الغضب من دون سبب واضح. هذا التقلّب العاطفي ليس أمرًا عابرًا، بل يرتكز على تغييرات بيولوجية ونفسية معقدة. من هنا، سنغوص معًا في رحلة لفهم الأسباب العلمية وراء هذه الظاهرة الطبيعية.
في هذا المقال، سنستعرض أولًا التأثير الهرموني على التقلّب المزاجي. ثم ننتقل إلى دور التغيرات الجسدية، ونناقش بعدها الضغوط النفسية، ونختم بتقديم نصائح عملية تساعدك على التكيف. كل جزء سيرافقه شرح مبسّط مدعوم بأبحاث علمية موثوقة، لنساعدك على احتضان تجربتك بشكل أفضل.
المسبب الرئيسي خلف تقلباتك العاطفية
لنفهم بدايةً لماذا تتقلب مشاعرك بشكل غريب أثناء الحمل؟، لا بدّ أن نلقي نظرة على التغيرات الهرمونية التي تطرأ على جسدك منذ الأسابيع الأولى. مع بداية الحمل، يرتفع مستوى هرموني الإستروجين والبروجستيرون بشكلٍ حاد.

بحسب دراسة نشرتها Mayo Clinic، يؤثر ارتفاع الإستروجين على الدماغ، فيزيد من حساسية المشاعر وسرعة الاستجابة العاطفية. أمّا البروجستيرون، فيساهم في زيادة مشاعر القلق والرغبة في البكاء. ومع استمرار الحمل، تتفاعل هذه الهرمونات مع مستقبلات عصبية معينة، ممّا يؤدي إلى تقلّب المزاج بشكل واضح.
توضح الأبحاث الحديثة أن المرأة الحامل تصبح أكثر عرضة للقلق والتوتر تحديدًا في الأشهر الأولى والأخيرة من الحمل، بسبب التغيرات المفاجئة في معدلات الهرمونات (Glynn et al., 2018).
التغيرات الجسدية ودورها في الحال النفسية
لا يكفي تفسير لماذا تتقلب مشاعرك بشكل غريب أثناء الحمل؟ بالهرمونات وحدها. فالتغيرات الجسدية العديدة تؤدّي أيضًا دورًا محوريًا. مع زيادة حجم البطن، وتورم الجسم، واضطرابات النوم، تبدأ المرأة بالشعور بعدم الراحة الجسدية المستمر.

تشير دراسة صادرة عن American Pregnancy Association إلى أن التعب الجسدي المزمن يضعف قدرة الدماغ على التعامل مع الضغوطات اليومية. ممّا يجعل المرأة أكثر عرضة لنوبات الغضب أو البكاء المفاجئ. كما أن صعوبة النوم بسبب التقلّبات الهرمونية والجسدية تؤثر مباشرةً على مراكز التنظيم العاطفي في الدماغ.
من جهة أخرى، الألم الجسدي المتكرر مثل آلام الظهر أو الحوض يضع عبئًا إضافيًا على نفسية المرأة. ممّا يفسّر بعض التقلبات المزاجية التي قد تبدو مبالغًا فيها أحيانًا.
الضغوط النفسية والخوف من المستقبل
لا يمكننا الحديث عن لماذا تتقلب مشاعرك بشكل غريب أثناء الحمل؟ من دون التطرّق إلى الجانب النفسي. الخوف من الولادة، والقلق من المسؤوليات الجديدة، والشعور بعدم الجاهزية لتغيير الحياة، جميعها عناصر تغذّي حال عدم الاستقرار العاطفي.

بحسب دراسة نُشرت في مجلة Psychological Medicine (2020)، فإن نسبة النساء الحوامل اللواتي يعانين من مستويات عالية من القلق تصل إلى 20%، مع ارتباط وثيق بين القلق والتقلبات العاطفية المتكررة.
كذلك، الضغوط الاجتماعية المتزايدة، مثل ملاحظات الآخرين أو القلق من الأداء كأمّ مستقبليّة، تزيد من احتماليّة التوتّر والارتباك النفسي. ممّا ينعكس بشكل مباشر على المشاعر اليوميّة.
كيف تتعاملين مع التقلبات العاطفية أثناء الحمل؟
بعد أن تعرفتِ إلى الأسباب العلمية التي تجيب على سؤال لماذا تتقلب مشاعرك بشكل غريب أثناء الحمل؟، من المهم أن تتعلمي بعض الأساليب البسيطة التي تخفف عنك وطأة هذه المشاعر.
أولًا، احرصي على تنظيم ساعات نومك قدر الإمكان، حتى لو اضطررتِ إلى أخذ قيلولات قصيرة خلال النهار. يعزّز النوم الجيد استقرار المزاج بشكل واضح. ثانيًا، مارسي تمارين التنفس العميق أو اليوغا المخصصة للحامل، فقد أثبتت الدراسات أنها تقلل من معدلات الكورتيزول (هرمون التوتر) في الجسم.
ثالثًا، تحدثي مع شريكك أو صديقتك المقربة عن مشاعرك من دون خجل. أحيانًا، مجرد التعبير عن المشاعر يخفف من حدتها ويمنحك شعورًا بالراحة. وأخيرًا، لا تترددي في استشارة طبيب نفسي مختصّ إذا شعرتِ بأن التقلّبات العاطفيّة تخرج عن سيطرتك أو تؤثّر سلبًا على حياتك اليوميّة.
الخلاصة
في النهاية، تتجلى إجابة سؤال لماذا تتقلب مشاعرك بشكل غريب أثناء الحمل؟ في تفاعل معقد بين العوامل البيولوجية، والجسدية، والنفسية. الحمل مرحلة فريدة تحمل بين طياتها الكثير من التحديات، لكن الوعي بتلك التغيرات يمنحك قوة إضافية لتجاوزها بأمان وسلام نفسي. تذكّري دائمًا أن مشاعرك جزء طبيعي من هذه الرحلة الجميلة، وأن فهمك لأسبابها يساعدك على التكيف بشكل أفضل مع الوضع الجديد. استمعي إلى جسدك، وامنحي نفسك وقتًا كافيًا للراحة، واطلبي الدعم متى شعرتِ أنك بحاجة إليه. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن أبرز تغيرات الحمل الجسدية.
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أؤمن أن المرأة خلال فترة الحمل تحتاج إلى محبّة مضاعفة واهتمام خاص، سواء من نفسها أو من محيطها. لذلك، أنصحكِ بأن تتعاملي مع مشاعرك بتسامح كبير، وألا تضعي على نفسك توقعات مثاليّة وغير واقعيّة. فكلّ شعور تمرين به هو رسالة طبيعية من جسدك وروحك، تستحق منكِ الاحترام والاحتواء لا القلق أو الرفض.