هل لاحظتِ يومًا أنكِ تركضين إلى الحمّام بعد دقائق فقط من شرب فنجان القهوة الصباحي؟ لا تقلقي، فأنتِ لستِ وحدكِ. كثير من النساء يشعرن بالحاجة الملحّة للتبرّز بعد تناول القهوة، حتى قبل أن يبدأن يومهنَّ بشكلٍ فعلي. هذه الظاهرة شائعة، لكنها ليست مجرّد صدفة أو نتيجة للروتين، بل وراءها تفسير علمي واضح يرتبط بتأثير القهوة على جهازكِ الهضمي.
تمتلك القهوة قدرةً تحفيزية لا تقتصر على تنشيط الدماغ والمزاج فقط، بل تمتد أيضًا إلى تحفيز الأمعاء. لكن، هل هذا التأثير صحي؟ وهل يمكنكِ الاعتماد عليه كوسيلة لتنظيم عملية الإخراج؟ تابعي القراءة لتفهمي ماذا يحدث في جسدكِ بعد كل رشفة، وهل القهوة صديقة لأمعائكِ أم مجرّد حلّ مؤقّت قد يؤدي إلى عواقب غير متوقَّعة. فهل يُعَدّ سربها من العادات التي تؤدّي إلى اضطراب الجهاز الهضمي؟
القهوة تحفّز حركة الأمعاء
حين تتناولين القهوة، يبدأ جسمكِ فورًا بالتفاعل مع مكوّناتها الفعّالة. يعتقد البعض أن الكافيين وحده هو المسبّب لهذا الأثر، لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا. تحتوي القهوة مركّب يُعرف باسم الحمض الكلوروجيني (Chlorogenic acid)، وهو عنصر يؤدّي دورًا محوريًا في تنشيط الحركة التمعجية (peristalsis). وهي الحركات الطبيعية التي تدفع الطعام والفضلات عبر الأمعاء.
كما أن القهوة تحفّز إنتاج الحمض المعدي (حمض الهيدروكلوريك)، ما يؤدي إلى تحسين عملية الهضم وتحفيز القولون. هذا التفاعل المتسلسل يفسّر لماذا تشعرين فجأة بالحاجة إلى دخول الحمام بعد بضع دقائق فقط من الانتهاء من احتساء فنجانكِ.
وفي دراسة نُشرت في مجلة Gut (2017)، أظهرت النتائج أن القهوة يمكن أن تزيد نشاط القولون بنسبة تصل إلى 60% خلال دقائق من شربها، مقارنة بالماء العادي أو القهوة منزوعة الكافيين. ما يعزّز فكرة أنّ بعض المركّبات النشطة في القهوة هي السبب في هذا التأثير القوي.
هل التأثير الملين للقهوة مفيد؟
قد يبدو هذا التأثير الملين إيجابيًا، خاصة إذا كنتِ تعانين من الإمساك من وقت لآخر. لكن الحقيقة أن الاعتماد المستمر على القهوة كوسيلة للإخراج يُعتبر أمرًا غير صحّي. استخدام الملينات، سواء كانت طبيعية مثل القهوة أو دوائية، بشكل متكرر قد يؤدي إلى كسل الأمعاء بمرور الوقت.
وهنا يحذّر أخصائيو التغذية من الإفراط في الاعتماد على القهوة في هذا الجانب. فالاستخدام المزمن لأي مادة محفّزة، حتى وإن كانت طبيعية، قد يؤدّي إلى ضعف العضلات المعوية، وانخفاض القدرة على التبرّز من دون محفّز خارجي. بمعنى آخر، أمعاؤكِ قد “تتكلّ على القهوة”، وتتوقّف عن العمل بكفاءة.
لذلك، من الأفضل أن تعتمدي على نظام غذائي غني بالألياف، مثل الخضار الورقية، والفواكه الطازجة، والحبوب الكاملة، والبقوليات. هذه الأطعمة تساهم في تكوين كتلة برازية لينة وسهلة المرور، مما يدعم عمل القولون بطريقة طبيعية من دون حاجة إلى تدخلات خارجية.
هل تؤثر القهوة على الجميع بنفس الطريقة؟
الإجابة ببساطة: لا. استجابة الأمعاء للقهوة تختلف من امرأة إلى أخرى. بعض النساء يشعرن بالحاجة الفورية إلى دخول الحمام، بينما لا تلاحظ أخريات أي تغيير. السبب يكمن في عوامل عديدة، منها الحساسية الفردية تجاه الكافيين، نوع القهوة، توقيت تناولها، وحتى تركيبة الجراثيم المعوية (microbiota).
إذا كنتِ تعانين من عوارض مزعجة بعد شرب القهوة، مثل المعاناة من الغازات، النفخة، أو الإسهال، فربما تحتاجين إلى تجربة أنواع مختلفة من القهوة (مثل القهوة منخفضة الحموضة)، أو تقليل الكمية تدريجيًا.
ماذا لو شربتِ القهوة بعد الساعة الثالثة ظهرًا؟
الكافيين ليس محفّزًا معويًا فقط، بل هو منشّط عصبي قوي أيضًا. قد يؤثر شرب القهوة بعد منتصف النهار على نوعية نومكِ بشكل مباشر. فالجسم يحتاج إلى ما لا يقل عن 5 ساعات للتخلص من نصف كمية الكافيين، ما يعني أنّ كوبًا بعد العصر قد يبقى تأثيره حتى الليل.
ونقص النوم لا يؤثّر فقط على المزاج، بل أيضًا على وظائف الجهاز الهضمي. حيث أظهرت الدراسات أن قلّة النوم ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالإمساك واضطرابات القولون العصبي. لذلك، إذا كنتِ حسّاسة للكافيين، حاولي التوقف عن شرب القهوة بعد الساعة 2 أو 3 ظهرًا، لتمنحي جسمكِ فرصة للاسترخاء في المساء.
الخلاصة
عزيزتي، القهوة لذيذة ومحبوبة وترافقنا في لحظات العمل، والدراسة، وحتى الاسترخاء مع صديقاتنا أو أثناء الكتابة الصباحية. لكن الأهم أن تعرفي كيف تستخدمينها بذكاء، دون إفراط أو اعتماد كامل. فالقهوة ليست علاجًا للإمساك، ولا يُفترض بها أن تحلّ محل نمط غذائي متوازن غني بالألياف والماء والنشاط. لا تجعليها الوسيلة الوحيدة لتحفيز حركة أمعائكِ، بل احرصي على تنويع نظامكِ الغذائي، والاستماع إلى حاجات جسمكِ. خصّصي وقتًا لحرّكاتكِ اليومية، ولو عبر خطوات بسيطة أو روتين صباحي خفيف، وامنحي جهازكِ الهضمي فرصة للعمل بشكل طبيعي. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن مشروبات سحرية تخفض ضغط الدم بطريقة طبيعية!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة تهتم بالصحة وجودة الحياة، أؤمن أنّ القهوة يجب أن تكون “رفيقة ذكية” لا “حلًّا سحريًا”. أحب فنجاني الصباحي، وأستمتع برائحته وتفاصيله، لكنني تعلّمت ألا أستخدمه كوسيلة للضغط على جسمي أو استعجال ما يحتاج وقتًا. عندما نسمح لأجسامنا بأن تعمل بتوازن، بدون تدخل مستمر أو اعتماد على محفّزات خارجية، نمنحها المساحة لتقوم بوظائفها بأفضل شكل. القهوة جميلة، لكن الصحة أجمل.. فاختاري دائمًا ما يُناسبكِ، ويخدم رفاهكِ على المدى البعيد.
