تُعَدّ التربية السيئة من أخطر ما يمكن أن يتعرّض له الطفل في مراحل نموه الأولى. فهي لا تؤثر فقط على سلوكياته الآنية، بل تترك آثارًا نفسية وجسدية قد ترافقه مدى الحياة. للأسف، كثيرات من الأمهات لا يعلمن أن بعض التصرفات اليومية، وإن بدت بسيطة، تُشكّل شكلًا من أشكال التربية السيئة من دون قصد.
ومن هنا، سنتناول في هذا المقال آثار التربية السلبية على الطفل، ونتعمق في أسبابها، ونستعرض علاماتها. ثم نناقش كيفية معالجتها واستبدالها بأساليب تربوية إيجابية. وذلك بالاستناد إلى دراسات علمية موثوقة في مجال علم النفس التربوي والطفولة التي تكشف عن الطرق يُفسد بها الآباء أطفالهم من دون قصد.
ما المقصود بالتربية السيئة؟
ما هي التربية السيئة ؟ في البداية، لا بد أن نُحدّد بدقة معنى التربية السيئة. هي ليست فقط تلك التي تشمل الضرب أو الإهانة، بل تمتد لتشمل التوبيخ المستمر، وتجاهل المشاعر، والمقارنة الدائمة، والسخرية، والتهديد، والإهمال العاطفي، وحتى الحماية الزائدة. كل هذه الأشكال تؤثر مباشرةً على تقدير الطفل لذاته.

على سبيل المثال، أكدت دراسة منشورة في مجلة Journal of Child Psychology and Psychiatry عام 2022 أن الأطفال الذين يتعرّضون لتوبيخ لفظي متكرر يُظهرون نشاطًا مفرطًا في مناطق التوتر في الدماغ. مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب الحاد في سن المراهقة.
علاوةً على ذلك، التربية السيئة تفقد الطفل القدرة على اتخاذ القرارات، وتُضعف ثقته في قدراته. كما تجعل منه إمّا تابعًا خائفًا أو متمرّدًا دائمًا.
ما الأسباب التي تدفع الأم إلى تبني أسلوب تربية سلبي؟
ما هي أسباب تبنّي أسلوب التربية السيئة ؟ تتعدد أسباب التربية المؤذية، لكن من أكثرها شيوعًا الجهل بأساليب التربية السليمة. فكثيرًا ما تكرّر المرأة ما تعلّمته من والديها، من دون أن تتساءل عن صحته أو ملاءمته لزمن مختلف.
إلى جانب ذلك، الضغوط النفسية، كالتوتر الناتج عن العمل، أو المشاكل الزوجية، تؤثر مباشرة على أسلوب تعامل الأم مع أطفالها. وفي كثير من الأحيان، يُستخدم الطفل كوسيلة تفريغ للغضب أو الإحباط.
كما أن، وسائل التواصل الاجتماعي تُسهم في نقل مفاهيم مغلوطة عن التربية. خاصّةً عندما تُعرَض مقاطع قاسية على أنها “تأديب طبيعي”. بيّنت دراسة حديثة من University of Michigan أن الأمهات اللواتي يشاهدن محتوى سلبيًا عن التربية، يتبنّين نفس الأساليب بنسبة 33% أكثر من غيرهن.
ما هي العلامات التي تكشف وجود تربية خاطئة؟
ما هي علامات التربية السيئة ؟ من المهم جدًا أن تنتبهي للإشارات الصغيرة التي تصدر عن طفلكِ، فهي غالبًا ما تعكس ما يحدث في داخله. فمثلًا، إذا أصبح الطفل أكثر صمتًا، أو بالغ الحساسية، أو يميل إلى العزلة، أو يُظهر خوفًا مبالغًا عند حدوث خطأ بسيط، فهذه علامات تدعو إلى القلق.

أيضًا، قد تلاحظين تغيرًا في شهيته، اضطرابات في نومه، أو ميلًا إلى السلوك العدواني، وكلها مؤشرات على تأثير التربية السيئة. وفقًا لتقرير صادر عن منظمة اليونيسف، هذه السلوكيات تزداد بنسبة 47% لدى الأطفال الذين يعانون من قسوة تربوية مقارنة بغيرهم.
ليس هذا فقط، بل تؤثر التربية السلبية على الأداء الأكاديمي. حيث يفقد الطفل التركيز، ويشعر بأنه غير قادر على تحقيق النجاح، حتى إن توفّرت له القدرات اللازمة.
كيف تتجاوزين آثار التربية السلبية؟
كيف يمكن تجاوز آثار التربية السيئة ؟ يبدأ التغيير أولًا من الاعتراف. عندما تُقرّين بأن بعض الأساليب السابقة كانت خاطئة، فأنتِ بالفعل تخطين الخطوة الأولى نحو تربية إيجابية.

ثانيًا، تعلّمي المبادئ الأساسية للتواصل العاطفي مع طفلكِ. لا تنتقديه، بل اسأليه: “ما الذي حدث؟ وكيف شعرت؟” بدلًا من “لماذا فعلت هذا؟” بهذه الطريقة، تُعزّزين لديه الوعي بمشاعره.
ثالثًا، استبدلي العقاب الجسدي أو النفسي بأساليب حازمة وهادئة. فمثلًا، يمكنكِ تحديد نتيجة منطقية لسلوكه بدلًا من تهديده أو تجاهله.
ولا تنسي، الاستعانة بمختصّ نفسي أو تربوي عند الحاجة لا تُعد ضعفًا بل وعيًا. البرامج العلاجية القائمة على تقنيات “التربية الواعية” أثبتت فعاليتها في تحسين العلاقة بين الأمهات والأطفال بنسبة 62% وفق دراسة نُشرت في Harvard Review of Psychiatry.
رابعًا، خصّصي وقتًا للعب والحوار. هذه اللحظات تُعيد بناء الثقة، وتمنح الطفل شعورًا بالأمان، وهو ما يفتقده في بيئات قاسية.
الخلاصة
في نهاية المطاف، التربية السيئة ليست قدرًا محتومًا. يمكن دائمًا تصحيح المسار، وتعلّم مهارات جديدة، وإعادة تشكيل العلاقة مع الطفل على أساس الحب، والاحترام، والتفاهم. تذكّري دائمًا، كل كلمة تقولينها، وكل نظرة تصدر منكِ، تترك أثرًا في قلب صغير يتعلّم كيف يرى العالم من خلالكِ. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وكشفنا لكِ عن خطأ تربوي تقع فيه كل أم يجعل طفلكِ خائفًا مدى الحياة!
وبرأيي الشخصي كمحرّرة، أرى أن التغيير التربوي يبدأ من لحظة الوعي، لا من لحظة الذنب. كل أم تستطيع أن تُغيّر أسلوبها، مهما كان الماضي مؤلمًا. نحن لا نُولد مربّيات بالفطرة، بل نتعلّم، ونُخطئ، ونتقدّم. لهذا، أشجّعكِ على القراءة، والمشاركة في دورات تدريبية، والتواصل مع أمهات أخريات يُشاركنكِ الهمّ. لأن طفلكِ يستحق الأفضل، وأنتِ أيضًا تستحقين أن تكوني أماً سعيدة واثقة من تربيتها.