لم تقتصر تداعيات فايروس كورونا على العوارض الجسديّة الشائعة، فقد كشفت الأبحاث الحديثة عن تأثيرات نفسيّة وعصبيّة خطيرة قد تكون أكثر تعقيدًا ممّا كان يُعتقد في البداية.
إذ أظهرت هذه الدراسات أن تأثير كورونا على العقل قد يمتدّ لفتراتٍ طويلة، مؤثرًا بشكلٍ كبير على الإدراك والذاكرة لدى المصابين.
تأثيرات كورونا على العقل
منذ بدء انتشار فيروس كورونا، لاحظ العلماء ظهور عوارص عصبيّة متعدّدة بين المرضى، مثل فقدان حاسة الشم والتفكير البطيء والصداع والهذيان. ومع مرور الوقت، ازداد القلق حول هذه العلامات، حيث يعاني العديد من المتعافين من مشاكل إدراكيّة مستمرّة مثل الضباب الدماغي والاكتئاب الحاد وبطء التفكير. يعتقد الباحثون أن هذه المشاكل قد تكون مؤشّرًا مبكرًا لزيادة في حالات الخرف واضطرابات العقل الأخرى، وهو ما يشير إلى أن التأثيرات قد تكون أطول أمدًا ممّا نتصوّر.
سرعة الشيخوخة الدماغية بعد كوفيد-19
أجرت مجموعة من الباحثين البريطانيين في عام 2021 دراسة كشفت عن تأثيرات تلفيّة على الدماغ بعد الإصابة بفيروس كورونا. وقد أظهرت النتائج وجود علامات واضحة لتسارع الشيخوخة في مناطق الدماغ المرتبطة بحاسة الشم، حتى في المرضى الذين عانوا من حالات خفيفة. هذا الاكتشاف يثير القلق حول التأثيرات المحتملة التي قد تستمر لفترات طويلة بعد التعافي.
خطر دائم لكبار السن والمتعافين
أوضحت الدراسات أنّ التأثيرات الإدراكيّة الناتجة عن كوفيد-19 قد تستمرّ لعدّة سنوات، خاصةً لدى كبار السن والمصابين بحالات شديدة. أظهرت دراسة أجريت على مجموعة من كبار السن المصابين بالفيروس أنّ 40% منهم يعانون من ضعف إدراكي بعد عامين ونصف من إصابتهم، مقارنةً بـ 14% فقط من أزواجهم غير المصابين. كما كشفت دراسة بريطانيّة حديثة أنّ نصف المرضى الذين تلقّوا علاج كوفيد يعانون من اكتئاب وتدهور إدراكي كبير حتى بعد مرور ثلاث سنوات على شفائهم.
تدهور الوظائف العقلية والذاكرة
توصّلت دراسة أخرى إلى أنّ المصابين بكوفيد-19 يعانون من تدهور في الوظائف العقليّة والذاكرة بعد الشفاء، حيث أظهرت النتائج أنّ المتعافين من السلالات القديمة للفيروس، مثل “ألفا”، كانوا الأكثر عرضةً للإصابة بضعف إدراكي مقارنةً بالمصابين بالسلالات الحديثة. على الرغم من أنّ كبار السنّ هم الأكثر عرضةً لهذه التأثيرات، إلّا أنّ الشباب لم يكونوا بمأمنٍ أيضًا، إذ أشارت بعض الدراسات إلى وجود تدهور في الذاكرة والتفكير لدى المصابين الأصغر سنًا.
كيف يؤثر الفيروس على الدماغ؟
تشير الأبحاث إلى أنّ كوفيد-19 قد يؤثر على الدماغ بعدّة طرق. هناك نظرية تقول إن الفيروس قد ينتقل إلى الدماغ عبر الأعصاب المرتبطة بحاسّة الشم، ممّا يؤدي إلى تغييرات في بنية الدماغ وظهور ضعف إدراكي. كما يُعتقد أن الالتهاب العصبي الناتج عن الاستجابة المناعية قد يؤدي إلى تلف الخلايا العصبية، مما يسبب مشاكل في الأوعية الدمويّة الصغيرة التي تغذّي الدماغ.
الأثر الاقتصادي لكوفيد طويل الأمد
إلى جانب التأثيرات الصحيّة، هناك تداعيات اقتصادية كبيرة لكوفيد طويل الأمد. إذ يعاني العديد من المتعافين من عوارض مستمرّة، مثل الشعور بالإرهاق المزمن ومشاكل التركيز، وهو ما يؤثّر على قدرتهم على العمل ويزيد من الأعباء الاقتصاديّة. تشير التقديرات إلى أنّ كوفيد طويل الأمد قد يكلّف الاقتصاد العالمي ما بين 864 مليار دولار و1.04 تريليون دولار سنويًا، وذلك بسبب انخفاض الإنتاجيّة وتعطّل الحياة اليوميّة للمصابين.
أظهرت الدراسات أنّ تأثير فيروس كورونا على الدماغ قد يكون أعمق ممّا كنّا نتصوّر. ومع استمرار البحث في هذا المجال، تتّضح الصورة أكثر حول مدى خطورة هذه التأثيرات على العقل. لا يقتصر الأمر على التأثيرات الصحيّة فحسب، بل يمتدّ ليشمل آثارًا اقتصاديّة واجتماعيّة بعيدة المدى. على المجتمع العلمي والجهات المعنية الاستمرار في البحث والابتكار لإيجاد حلول للتخفيف من هذه التداعيات وحماية الصحّة العقليّة للمتعافين. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأطلعناكِعلى دراسة تؤكّد أنّ البشريّة تتّجه نحو مستقبلٍ مجهول مع اختفاء الكروموسوم Y.