شركة ألمانيّة تضمن إعادة إحياء جثّتك بعد موتك مقابل مبلغ خيالي!

مصدر الصورة: الحساب الرسمي لشركة تومورو بايو @tomorrowbio على انستغرام

تبدو فكرة إحياء الموتى من أعماق البرد فكرة مستوحاة من أفلام الخيال العلمي، ولكنها اليوم أصبحت واقعًا يطرحه العلم الحديث والتكنولوجيا المتقدّمة، ففي خطوةٍ جريئة ومثيرة للجدل، تقدّم شركة ألمانية ناشئة تدعى “Tomorrow Bio” خدمة لتجميد جثث الموتى بأمل أن يتمّ إحياؤهم في المستقبل عندما تتقدّم التكنولوجيا إلى مستوى يمكنها من تحقيق هذا الحلم.

تستند هذه الفكرة إلى مفهوم أنّ الموت المفاجئ، كما نعرفه، ليس بالضرورة نهاية الطريق، فمع التطوّرات المستقبليّة المتوقَّعة في مجالات الطب والتكنولوجيا، قد يصبح من الممكن علاج الأمراض التي أدَّت إلى الوفاة أو حتى إعادة الحياة إلى أولئك الذين تمّ تجميدهم، ورغم أنّ هذه الفكرة قد تبدو غير واقعية للكثيرين، إلّا أنها بدأت تجد طريقها إلى التطبيق الفعلي، مع تزايد أعداد الأشخاص الذين يسعون للاستفادة من هذه التقنية.

كيف تعمل تقنية تجميد الجثث؟

تعتبر عمليّة تجميد الجثث عمليّة معقّدة للغاية وتتطلّب تكنولوجيا متطوّرة ودقة فائقة، وهي تبدا فور إعلان وفاة الشخص قانونيًا. في هذه المرحلة، يتمّ إرسال فرق مختصّة من “Tomorrow Bio” إلى مكان الوفاة بشكل فوري، تكون مزوَّدة بمعّدات طبيّة خاصّة تمكّنها من البدء في خفض حرارة الجسم إلى درجة حرارة -80 درجة مئوية بسرعة كبيرة، وهذه الخطوة تهدف إلى إبطاء عملية التحلّل والحفاظ على الأنسجة والخلايا بحالها عند الوفاة.

بعد تبريد الجسم بشكلٍ مبدئي، تأتي المرحلة الثانية من العمليّة، وهي عمليّة استبدال سوائل الجسم بمواد كيميائيةّ خاصّة تُعرَف باسم “العوامل الواقية من التجمد”، والتي تعمل على منع تكوين البلورات الثلجية التي قد تؤدّي إلى تلف الخلايا. بمجرد استبدال السوائل بنجاح، يتمّ نقل الجثّة إلى منشأة تخزين طويلة الأمد تقع في سويسرا. هناك، يتم ّتخزين الجثث في درجات حرارة تصل إلى -196 درجة مئويّة باستخدام النيتروجين السائل.

التحدّيات التقنيّة: بين الحاضر والمستقبل

على الرغم من التقدّم التكنولوجي الهائل الذي أحرزته شركة “Tomorrow Bio”، إلّا أنّ فكرة تجميد الجثث ما زالت تواجه العديد من التحديات التقنية.

تكمن أبرز هذه التحدّيات في مسألة إعادة إحياء الجثث، فحتّى الآن، لم يتمكّن العلماء من إعادة الحياة إلى أيّ كائن مجمّد بشكلٍ كامل، وذلك رغم بعض النجاحات المحدودة في تجميد وحفظ أعضاء حيوانية صغيرة مثل الكلى، ولكن التحدّي الأكبر يكمن في الحفاظ على الأنسجة والأعضاء البشريّة بدون تعرّضها لأيّ ضرر خلال عمليّة التجميد والاحتفاظ بوظائفها الحيويّة عند إعادة الإحياء.

هناك أيضًا تحدّيات أخرى تتعلّق بتطوير تقنيات جديدة تمكّن من إصلاح الأضرار الناتجة عن عمليّة التجميد والتأكّد من أنّ الشخص الذي سيُعاد إحياؤه سيكون في حال صحيّة جيدة، وهذ التي تجعل إمكانيّة تحقيق فكرة إعادة إحياء الجثث بعيدة في الوقت الحالي، لكنّها تبقى ضمن الممكنات المستقبليّة.

البعد الأخلاقي والفلسفي لفكرة تجميد الجثث

لا يمكن مناقشة فكرة تجميد الجثث بدون التطرّق إلى البعد الأخلاقي والفلسفي لهذه الفكرة، إذ تثير هذه التقنية العديد من الأسئلة حول طبيعة الحياة والموت، ومدى إمكانية الحفاظ على الهوية والشخصية بعد العودة للحياة.

إذا افترضنا أن الشخص المجمد سيُعاد إحياؤه يومًا ما، هل سيكون هو نفس الشخص الذي مات؟ هل ستتأثّر ذاكرته وشخصيّته؟ وهل يمكن أن تؤدّي هذه التقنية إلى خلق مشاكل نفسيّة خطيرة وصعوبات اجتماعيّة جديدة؟

تخلق هذه الأسئلة جدلًا واسعًا في الأوساط العلميّة والفلسفيّة، حيث يعارض بعض النقّاد فكرة تجميد الجثث باعتبارها محاولة لتحدّي الطبيعة والقوانين البيولوجية، بينما يرى آخرون أنّها فرصة لاستكشاف حدود جديدة للعقل البشري وقدرته على تجاوز العقبات.

التكاليف المرتفعة: فرصة للأغنياء فقط؟

تعد عملية تجميد الجثث التي تقدمها شركة “Tomorrow Bio” من الخدمات الفاخرة التي لا تتاح إلّا لأصحاب الثروات الكبيرة، إذ تبلغ تكلفة تجميد الجسم بالكامل 220,000 دولار أمريكي، في حين يمكن تجميد الدماغ فقط مقابل 81,000 دولار. هذه التكلفة العالية تجعل من هذه الخدمة حكرًا على فئة محدودة من الأشخاص الذين يتمكّنون من تحمّل هذه النفقات.

رغم ذلك، فإنّ الطلب على هذه الخدمة يتزايد بشكل مستمر، حيث قامت الشركة بتجميد ستة أشخاص وخمسة حيوانات أليفة حتى الآن، بالإضافة إلى ذلك، فقد سجل أكثر من 650 شخصًا للحصول على هذه الخدمة في المستقبل، ممّا يعكس اهتمامًا متزايدًا بفكرة تجميد الجثث كوسيلة لتمديد الحياة وتجاوز حدود الموت.

الأمل في المستقبل: هل يمكن التغلب على الموت؟

بالنظر إلى التطورات السريعة في مجال التكنولوجيا والطب، يبقى السؤال المطروح هو: هل يمكن أن تنجح هذه الفكرة في تحقيق الهدف المنشود؟ على الرغم من التحدّيات التقنية والأخلاقية التي تواجهها، إلّا أنّ فكرة تجميد الجثث تبقى واحدة من أكثر الأفكار إثارة للاهتمام في عصرنا الحالي.

بالنسبة لبعض الأشخاص، تعدّ هذه الخدمة بمثابة طوق نجاة يمكن أن يمنحهم فرصة جديدة للحياة، خاصة إذا ما تمكنت التكنولوجيا من التقدم إلى المستوى الذي يمكنها من إعادة إحياء الجثث المجمدة بنجاح، ومع أنّ “Tomorrow Bio” هي أول شركة من نوعها في أوروبا، إلّا أنها ليست الوحيدة على مستوى العالم، حيث توجد شركات أخرى تتبنّى نفس الفكرة وتسعى لتحقيق نفس الهدف.

في النهاية، يمكن القول بأنّ تقنية تجميد الجثث قد تفتح أبوابًا جديدة في مجال الطب وعلوم الحياة، وتتيح فرصًا غير مسبوقة لاستكشاف حدود جديدة لمفهوم الحياة والموت، ورغم أنّ الفكرة ما زالت بعيدة المنال في الوقت الحالي، إلّا أنّها تظل مثيرة للاهتمام وتفتح الباب أمام نقاشات واسعة حول مستقبل البشريّة وما يمكن أن تحمله التطورات التكنولوجيّة من إمكانيّات غير محدودة. ومن الجدير بالذكر أنّنا سبق وأطلعناكِ على دراسة تكشف كيف يحافظ الدماغ على مشاعر الحبّ مع الشريك.