أسباب التوحد أثناء الحمل عديدة. وقد أكّدت الدّراسات حول الموضوع وجود علاقة بين هذا الاضطراب وعوامل عدّة تتعرّض لها الحامل.
فعلى الرغم من الغموض الذي لا زال يحيط بأسباب إصابة الأطفال باضطراب التوحّد، إلّا أنّ ما بات شبه مؤكّد أنّه مرتبط بمشكلة حاصلة في نمو الدماغ لديه. يُلاحَظُ هذا الاضطراب عادةً منذ الطفولة الباكرة ويؤثر على نمو الطفل وتطوره. وغالبًا ما تظهر علامات الإصابة بالتوحّد خلال سنوات الطفل الثلاث الأولى وتختلف مظاهرها باختلاف مستوى تطوّر الطفل بالنسبة الى عمره. يؤثّر التوحّد على التفاعل الاجتماعي للطفل، التواصل لديه وتعبيره اللّغوي. وقد يُظهر الأطفال المصابون سلوكيات نمطيّة وحركات متكررة.
نتائج دراسات مٌهمّة حول الموضوع
تتزايد الدلائل التي تُشير الى أنّ العوامل التي تؤدي إلى مرض التوحد لدى الأطفال تحيط بمرحلة الحمل أي قبل الولادة. خاصّةً بعد أن نشرت مجلة “Pediatrics”، الصادرة عن أكاديميّة طب الأطفال الأميركيّة والمُختصّة بنشر آخر البحوث والدراسات في عالم طبّ الأطفال، دراسة وجدت أن الأطفال الذين يولدون لنساء بدينات أو يعانين من مرض السكري كانوا أكثر عرضة لتطوير اضطراب التوحد بأربع مرات من أولئك الذين ولدوا لنساء غير مصابات بالسكري ويتمتّعن بوزن صحي.
على صعيدٍ آخر، ووفقًا لدراسة علميّة نُشرت في مجلة الطب النفسي الجزيئي ” Molecular Psychiatry”، قد تكون بداية طيف التوحد مرتبطة بارتفاع مستويات هرمون “الاستروجين” أثناء الحمل. إذ أعلن الباحثون أنهم وجدوا صلة بين التعرض لمستويات عالية من هرمون الاستروجين أثناء الحمل واحتمالات الإصابة باضطراب طيف التوحد.
ونفوا بذلك نتائج الدراسات التي أُجريت عام 2015، والتي رجّحت احتماليّة أن تكون الـ”أندروجينات” الموجودة في السائل الأمنيوسي هي التي تُعزّز تطور اضطراب طيف التوحد في الأجنة الذكور، خاصّةً وأن التوحد يصيب الذكور من ثلاث الى أربع مرّات أكثر من الإناث. بعد أن وجدوا أن العلاقة بين ارتفاع مستويات هرمون الاستروجين قبل الولادة واحتمال الإصابة بالتوحد كانت أقوى من تلك التي لوحظت في عام 2015 مع الأندروجينات.
وأوضح البروفيسور سايمون بارون كوهين، الذي أجرى الدراسة الجديدة، أنّ النتائج تدعم فكرة أن زيادة هرمونات الستيرويد الجنسية قبل الولادة هي أحد الأسباب المحتملة لإصابة الطفل المُنتظر باضطراب التوحد. واستنتج أنّ أن الوراثة هي عامل يُضاف اليه، وقد تتفاعل هذه الهرمونات مع العوامل الوراثية التي تؤثر على نمو دماغ الجنين.
مصدر الصورة: Freepik
الأسباب المُحتَمَلة لتكوّن التوحّد لدى الجنين
كما ذكرنا سابقًا، يُعتقد أن التوحّد ناجم عن تفاعل معقد لعوامل جينية، هورمونيّة، وبيئية أثناء فترة الحمل. واضافةً الى الأسباب التي ذكرناها في نتائج الدراسات، هناك عدّة عوامل أُخرى مُحتملة ومنها:
- التقدّم بالعمر: الأمهات والآباء الأكبر سنًا قد يكونون أكثر عرضة لإنجاب طفل مُصاب بالتوحّد.
- العوامل الجينيّة: إذا كان أحد الوالدين أو كلاهما يحمل تحولات جينيّة معيّنة مُرتبطة بتطوّر الطفل، قد تنقل الى الجنين. يُمكنك التعمّق أكثر بتأثير جينات التوحّد على بنية الدماغ.
- التعرض للمواد الكيميائية والأدوية والهورمونات خلال الحمل.
- إصابة الأم بعدوى أو أمراض مُعيّنة خلال الحمل قد تؤثر على تطور الجنين.
- التعرض للتلوث.
- التدخين وتناول الكحول والمخدرات: قد لا تكون سببًا مباشرًا ولكنّ تجنّبها هذه العادات خلال الحمل يمكن أن يساهم في الوقاية من إصابة الطفل بالتوحّد.
احتياطات لحماية طفلك من التوحّد
يصيب التوحّد طفل من كل 68 طفلًا، ويبدأ حدوث الاضطراب لدى الطفل من داخل رحم أمّه، لذا يجب أن تبدأ الوقاية خلال الحمل. ويمكن أن تساعد بعض الإجراءات في تقليل خطر إصابة الجنين بالتوحد أثناء الحمل. ومنها:
- متابعة الحمل مع طبيبك بانتظام.
- الحفاظ على صحتك العامة وتناوُل الفيتامينات والمكملات الغذائية كما يوصي بها طبيبك.
- تجنب التعرض لأي أدوية غير لازمة، ومواد كيميائية ضارة.
- ملاحظة أي تغيرات جينية قد تزيد من خطر إصابة طفلك بالتوحد، عن طريق تحليل الحمض النووي الجنيني.
مصدر الصورة: Freepik
تشخيص إصابة الجنين بالتوحّد في الرحم: هل أصبح مُمكنًا؟
تُطمئن الدكتورة موريا توماسون، عالمة أعصاب الأطفال في كلية الطب بجامعة واين ستيت في ميشيغان في الولايات المُتّحدة الأميركيّة، أنّ إمكانيّة الوصول الى تشخيص الإصابة بالتوحّد داخل الرحم يلوح في الأفق. إذ يمكن أن يسهل استكشاف أدمغة الأجنة، باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، الكشف المبكر عن اضطرابات طيف التوحّد.
تستخدم تومسون وفريقها التصوير بالرنين المغناطيسي لفحص أدمغة الأجنة. ويُركّزون حاليًّا على “الحالات المحتملة للأطفال الذين وُلدوا قبل الأوان، والذين من المحتمل أن يكون لديهم المزيد من التأخر في النمو”. وغالبًا ما يُعزّى هذا التأخير إلى الإجهاد أو نقص الأكسجين أثناء الولادة.
فكم سيكون الأمر أسهل لو كان من الممكن تشخيص الاصابة بالتوحد، أو أي اضطراب آخر من هذا القبيل، قبل ولادة الطفل وليس في وقت قد يصل الى عيد ميلاده الثالث، وهو العمر الذي عادة ما تصبح فيه مشاكل النمو واضحة.
وتقول الدكتورة توماسون إنّ التقدم سريع في هذا المجال ولكن سيستغرق الأمر بعض الوقت أيضًا لرؤية الأمور بشكل أكثر وضوحًا.
برأيي الشخصي يُفضل دائمًا استشارة الطبيب للحصول على معلومات دقيقة حول الوقاية والتشخيص والعلاج المحتمل للتوحد. ولكن في كلّ الأحوال عليك بالرعاية الجيدة والتدابير الوقائية خلال الحمل ما سيساهم في تقليل المخاطر. واليك أهمّ النصائح لحمل صحّي.